قال الشيخ أبو الفتح: المعهود في مثل هذا أن يقال: هم ملوك إلا أنهم في صور الأرانب. فتزايد وعكس الكلام مبالغة فقال: أرانب غير انهم ملوك. فجعل الأرانب حقيقة لهم والملوك مستعاراً منهم. وهذه عادة منه يفارق بها أكثر الشعراء. وهذا على ما قله غير أن الذي أتى به أبو الطيب أحسن في مذهب الشعراء وبقي من الشعر ما يستغنى عنه، وهي أرانب. وقد جرت العادة بأن تشبه في الذلة والخسة بالكلاب، وفي الروغان والجبن بالثعالب. ولم نسمع أحدا قال عند السب والذم هو أرنب. وقد سألت عن ذلك بعض من حضر من أهل الأدب فقال: أراه قال ذلك لأن الأرانب تحيض. فهو يدعي أنهم كالنساء اللواتي يحضن. ولو كان كما زعم لكان الأولى أن يقول: نساء. ليجمع الضعف والذلة إلى الحيض. والقول فيه ما أقول:
وذلك أن الأرنب لا يطبق جفنه يقضان ولا نائما، ولا حيا ولا ميتاً. فهو يقول: عيونهم مفتحة كالأيقاظ، وهم في الحقيقة نيام، فهم في ذلك أشباه الأرانب مع ذلتها
ودناءة قدرها. وإذا كان ذلك موجوداً في الأرانب فالذي يحكى أن الذئب ينام بإحدى مقلتيه ويحترس بالأخرى (غير ممتنع ولعله مما يطبق جفنا واحدا فظن الشاعر إنه يحترس بالأخرى) فقال: