للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومقاساة النزع والحشرجة للموت. فإن الحياة كالحلم تبقى قليلا وتزول. وقد قال أو تمام:

ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام

فانظر إلى هذا التشبيه المتفاوت. إذا كان أبو تمام يقول: إن الماضي من الزمان والهذلين من الناس كالأحلام. وأبو الطيب يقول: يقظتك كحلمك فما يصنع الموت هاهنا والحشرجة وإنما هو من شق على الشيء أي صعب. يقول: هون على كل عين النظر إلى ما يشق فإنه اليقظة كالحلم إذ كان أحوال الدنيا إلى الزوال. فهذا المعنى الذي أن سمعه أبو الفتح لم ينكره فما الذي يسومه هذا العسف وشق النفس في الغوص إلى ما لا يفيد.

وقوله:

ولما تفاضلت النفوس ودبَّرت ... أيدي الكماة عالي المران

قوله: ودبرت جملة منفية معطوفة على جملة منفية. وليست جملة مثبتة جارية مجرى قوله: ما أكلت وشربت الماء. يريد إثبات الشرب، ونفي الأكل. بل هي

كقولك: ما ضربت زيداً وقتلت بكرا، يريد نفيهما جميعاً. ولعمري إن الأحسن إظهار النفي ليكون دليلا على النفي ولكن الكلام إذا دل على الغرض جاز حذف النفي. ألا ترى أن المعنى ولما تفاضلت النفوس، ولما دبرت الأيدي الرماح يريد لدبرتها الرماح، أو عصمتها عند الاستعمال ولكنها بالعقل دبرت فأطاعت، ونفذت حيث نفذت من هذا النوع كثير.

<<  <   >  >>