سمعت جماعة من أهل الأدب يتساءلون بينهم لم جعل الآذان تبصر في الحال التي ستر الغبار العيون. وأي مزية للآذان ثم على العيون. فقال المحذق منهم في الصناعة: ذاك لأن الآذان منصوبة، فالغبار لا يسترها، والعيون معتضة، فالغبار يمنعها النظر. منصوبة، فالغبار لا يسترها، والعيون معتضة، فالغبار يمنعها النظر. ولما يعلما جميعا أن الانتصاب، وسعة الفتح لا يغنيان من الغبار وظلمته شيئاً، ألا ترى ظلمة الليل. وإن سعة العين فيه كضيقها، ونجلها كخوصها. وانتصاب العين فيه كانبساطها لمن انتصب عنه بانتصابه، وانبسطت باستلقائه على صلاوي قفاه كلا الناظرين فيه سواء وكلتا العينين غناؤهما فيه واحد. وإنما أراد الرجل أن الغبار ستر العيون حتى وقع على الجفن فمنعه أن يفت النظر والأذن لا تنطبق فلا يثقلها للغبار، وانتصابها دائم. والعين إذا اثقل الغبار جفنها انطبقت فلم تنفتح. وهي مع ذلك لا ترى فتعتمد ما تسمع فينحو نحوه ويبقى ما يجب إبقاؤه. فهذا معنى حسن. وجعل الناجي المصيفي الأذن مثقلة بالدم القاهر من القنا. فما أحسن كثير إحسان، إذ لا ثقل للدم عليها وإن جسد عليها وإن جسد عليها فإنما جسد ما فضل من القطر وذاك حيث يقول:
ثقيلات آذان من الدم والقنا ... غريقة بحر بالأسنة زاخر
بل أحسن بعض من سمع هذا البيت من المحدثين فقلبه وقال في صفة روضه:
أصْغَتْ عيونُ النور في جنباته ... فكأنما يَسْمَعَن بالأجفانِ