كان الصحابة - ومن بعدهم ممن يتحكك بالبدع - يعلمون حق العلم أنه لا سبيل للعقل إلى تصور يد الله عز وجل ولا سبيل للعقل أن يدرك أنه سبحانه ليس له يد تليق به؛ فلما أخبرهم الله ورسوله بأن لله يدًا آمنوا وصدقوا، فليس في تلك النصوص بحمد الله عز وجل لا كذب ولا إضلال، وليس في عقيدة السلف جهل ولا ضلال، فإن الجهل بما ليس في قدرة الإنسان العلم به لا يعد نقصا، وإنما الجاهل من يجهل ذلك ويجهل أنه جاهل، ويخيب ويطمع فيما ليس فيه مطمع، ويؤول به الأمر إلى ما سمعت وتسمع.
واعلم أن سبب ضلال القوم أمور:
الأول: قلة حظهم من معرفة الكتاب والسنة.
الثاني: تقديسهم للفلاسفة فوق تقديس الأنبياء بدرجات.
الثالث: ما في فطرة الإنسان من دعوى أن عقله يستطيع إدراك كل شيء، فطره على ذلك لئلا يكسل ويتوانى عن المعارف والعلوم، كما فطره على طول الأمل ليبقى في عمارة الدنيا، وعدل ذلك بالعقل ليكبحه عن تجاوز الحد في ذينك الأمرين. وهؤلاء القوم نشأوا على التطلع والتعمق، فاعتضدت الفطرة بالعادة، فأغفلهم ذلك عما يقررونه من أن الإدراك لا يكون إلا بإحساس أو قياس كما سلف، فكلفوا عقولهم أن تدرك ما ليس من شأنها إدراكه، فصارت