برهانا قاطعا على أنه لا يوجد حيوان يحرك فكه الأعلى! وهم يبالغون بزعمهم في نفي مشابهة الرب عز وجل لشيء من خلقه، ثم يحكمون عليه بما استقرؤوه من خلقه.
ومن أعظم بلايا العقل دعواه أنه لا يتعالى عن إدراكه شيء، فكثيرا ما ينظر فإذا لم يدرك جحد، ولاسيما عقول هؤلاء القوم الذين تسرب إليهم تقديس الفلاسفة وأهل الريب في النبوة على تفاوتهم فبه، ومثل ذلك مثل نفر من الناس فيهم رجل يرى أنه أحدهم نظرا، فيرى آخر منهم فيخبر أصحابه، فيترآه ذلك الرجل فلا يراه، فيبادر بتكذيب القائل "إني أراه" قائلا: لو كان الهلال طالعا لرأيته؛ لأنني أحدّ الجماعة نظرا!
وهذا من أعظم غلط العقل، فتراه ينفي وجود بعض الأشياء وينكر بعض الأحكام ويرد كثيرا من الأخبار، لأنه لم يدركها أو لم يدرك وجه صحتها أو مطابقتها للحكمة. ولولا هذا الخطأ ومثله لم يكد يغلط عاقل ولا يضل، ولا استحل مسلم أن يذم المعقولات، ويحذر من شدة الاعتماد عليها، فإن الدين لا يقوم إلا على العقل كما قدمنا.
ومما يُتقى به خطأ العقل - إذا زعم أن إدراكه قاطع - أن يفرض صاحبه أنه اجتمع بمن هو أكمل منه وأعقل، فأخبره برأيه في تلك