وكلما يتقدم هذا المفكر المسلم أو هؤلاء المسلمون بحل لهذه المشكلة، يسرع من طرفهم أولئك الاخصائيون لدراسة هذا الحل، فان كان خاطئاً، زادوا في شحنة خطئه بطريقة أو أخرى، وان كان فيه بعض ما يفيد حاولوا كل جهدهم للتقليل من شأنه، وتخفيض قيمته حتى لا يفيد.
هذه هي القاعدة العامة في الصراع الفكري الذي نشير اليه. ويترتب على هذا، انه كلما لاحت في العالم الإسلامي أي بادرة ذات مغزى، ولو كانت لا تبصرها أعيننا، فان مجهر أولئك الاخصائيين يلتقطها على الفور، ليجري عليها كل طرق التحليل، واذا وجدوا فيها أي اتصال بحركة الأفكار في العالم الاسلامي، تجري عليها كل عمليات التشريح، وتمر بكل أصناف التقطير، حتى يبقى في محتواها الاجتماعي أقل ما يمكن من عوامل التيسير لصلاحيتها وأكثر ما يمكن من عوامل التعسير وانتفاء الصلاحية.
ومن الواضحأن من أكثر البوادر دلالة على اتجاه مجتمع ما، هو اتجاه افكاره: فاما ان تكون متجهة الى الامام، إلى المستقبل، أو إلى الخلف، اتجاهاً متقهقراً، اتجاهاً ملتفتاً إلى الماضي بصورة مرضية.