للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: مثال الفخر بما يحسن كفخر بعضهم بكثرة دروسه وربما افتخر بعضهم بكثرة الأعضاء في منتداه وإلى الله المشتكى من رجال عقولهم عقول الصبيان في أجساد الرجال وربما احتاج العالم لمثل ذلك لعلةٍ شرعية كمثل ثناء عثمان على نفسه يوم الدار وثناء ابن مسعود على نفسه بمعرفته للقرآن أو رده لبهتان نزل عليه كما لسعد بن أبي وقاص مع أهل الكوفة ولكنهم ما كانوا يفعلون ذلك بطراً للحق وغمطاً للناس وتعميةً للطلبة عن أغلاطه وسقطاته.

قال الآجري في [فرض العلم ٥٠]: وفي [أخلاق العلماء ص ٨١]: " حدثنا جعفر بن محمد الصندلي نا الفضل بن زياد , نا عبد الصمد بن يزيد سمعت الفضيل بن عياض يقول:- " إن الله عز وجل يحب العالم المتواضع , ويبغض العالم الجبار ومن طلبه لله عز وجل ورثه الله عز وجل الحكمة ".

أقول: والكبر المنافي للتواضع هو بطر الحق وغمط الناس فمن لم ينقد إلى الحق مع بيانه فهو متكبر , ولأهل الكبر حيل قبيحة يردون بها الحق ومن أدرجها هذه الأيام الطعن في شخص قائل الحق إذ لم يجدوا سبيلاً إلى الطعن في كلامه , فربما عيروه بما يعلمون من مسلك قديم له كأن يكون نشأ مع أهل الأهواء ولا ينبغي أن يعير بهذا بعدما رجع , وربما ثلبوهُ بما يصلح أن يكون منقبة له فإذا كان نابغاً وسابقاً لأقرانه قالوا: كيف يتكلم في كذا وكذا وأقرانه لا يفعلون؟ , ويأتي الكلام على هذا مفصلاً تحت الأساس الثالث.

قال ابن أبي الدنيا في [التواضع ٨٨]: " حدثنا محمد بن علي عن إبراهيم بن أشعث: سألت الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعته , ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه."

أقول: أما المتكبرون اليوم فيردون الحق بحجة أنه جاء ممن دونهم في العلم أو السن وربما قال بعضهم لا نقبل الردود إلا من عالم وحقيقة هذا أنه لا يقبل الحق إلا من مهاب وتتمة الكلام تأتي تحت الأساس الثالث.

قال ابن رجب في [فضل علم السلف على علم الخلف] ص٨٢:" ومن علامات ذلك - يعني العلم غير النافع - عدم قبول الحق والانقياد إليه والتكبر على من يقول الحق خصوصاً إن كان دونهم في أعين الناس. والإصرار على الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم بإظهار الرجوع إلى الحق وربما أظهروا بألسنتهم ذم أنفسهم واحتقارها على رؤوس الأشهاد ليعتقد الناس فيهم أنهم عند أنفسهم متواضعون فيمدحون بذلك وهو من دقائق أبواب الرياء "

وقال أيضاً في [ص٨٥]:" ومن علامات العلم النافع أن صاحبه لا يدعى العلم ولا يفخر به على أحد ولا ينسب غيره إلى الجهل إلا من خالف السنة وأهلها فإنه يتكلم فيه غضباً للَّه لا غضباً لنفسه ولا قصداً لرفعتها على أحد.

وأما من علمه غير نافع فليس له شغل سوى التكبر بعلمه على الناس وإظهار فضل علمه عليهم ونسبتهم إلى الجهل وتَنَقُّصهم ليرتفع بذلك عليهم وهذا من أقبح الخصال وأرداها.

وربما نسب من كان قبله من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو فيوجب له حب نفسه وحب ظهورها إحسان ظنه بها وإساءة ظنه بمن سلف وأهل العلم النافع على ضد هذا يسيؤون الظن بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها "

ومن مظاهر الخلفية في فهم العلم الشرعي اشتغال بعضهم بتحسين الظاهر أكثر من إصلاح الباطن، وبذلهم في ذلك الجهد الجهيد، حتى إنك إذا رأيت أحدهم حسبت أنه من طلبة العلم المبرزين، حتى إذا خاطبته علمت أنه ليس عنده من حال طلبة العلم إلا سمتهم وربما ازدروا من لم يعانِ معاناتهم في معالجة الظواهر على سنن أهل التصنع!.

<<  <  ج: ص:  >  >>