قال شيخ الإسلام كما في [مجموع الفتاوى ٣/ ٣٩١]:" و " الصِّنْفُ الثَّالِثُ " مَنْ سَمِعَ الْكَلَامَ وَفَقِهَهُ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهُ وَلَمْ يُطِعْ أَمْرَهُ: كَالْيَهُودِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلَّا قَلِيلًا} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} أَيْ تِلَاوَةً "
قال ابن القيم في مفتاح [دار السعادة ١/ ٢٨٠ط دار ابن عفان]: " ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] وتعلم القرآن وتعليمه يتناول تعلم حروفه وتعليمها , وتعلم معانيه وتعليمها , وهو أشرف قسمي تعلمه وتعليمه , فإن المعنى هو المقصود , واللفظ وسيلة إليه , فتعلم المعنى وتعليمه الغاية وتعلم اللفظ المجرد وتعليمه الوسيلة وبينهما كما بين الغايات والوسائل ". انتهى بتصرف يسير
ومن مظاهر الخلفية في فهم العلم الشرعي، اشتغال بعضهم بعلوم الآلة دون تحقيق مقاصدها من إصلاح العلوم الأصلية، وربما اشتغلوا ببعض بما لا طائل تحته من إدخالات المتكلمين وغيرهم ممن غلبت عليه العناية بالفضول دون الأصول مما لا ينبني عليه عمل وأما السلف لما كان مقصودهم عمل لم ينشغلوا بذلك انشغال كثيرٍ من الخلوف
قال الشاطبي في [الموافقات ١/ ١١٢]:" تحمل الأخبار والآثار على التزام كيفيات لا يلزم مثلها، ولا يطلب التزامها، كالأحاديث المسلسلة التي بها على وجوهٍ ملتزمة في الزمان المتقدم على غير قصد، فالتزمها المتأخرون بالقصد، فصار تحملها على ذلك القصد تحرياً له، بحيث يتعنى في استخراجها، ويبحث عنها بخصوصها مع أن ذلك القصد لا ينبني عليه عمل، وإن صاحبها عمل "
ثم قال:-:" فطلب مثل هذا من فضول العلم لا من صلبه "
أقول: وقد نقل السيوطي في تدريب الراوي أبياتاً حسنةً في وصف حال هذا الضرب من الناس
فمنها قوله:
ومحدثٌ قد صار غاية همه ... أجزاء يرويها عن الدمياطي
وفلانةٌ تروي حديثاً عالياً ... وفلان يروي ذاك عن أسباط
والفرق بين عزيزهم وغريبهم ... وافصح عن الخياط والحناط
إلى أن قال:
وعلوم دين الله نادت جهرةً ... هذا زمان فيه طي بساط
ولما ارتكز في ضمائرهم، أن طلب العلم للعمل لم يملوا منه وثابروا عليه، ولم يكتفوا منه بقدر كما فعل كثيرٌ من الخلوف ممن قنعوا بالألقاب العصرية التي يرمز لها بالأحرف التي تسبق أسماءهم، فكان ذلك مدخلاً شيطانياً عليهم لترك الجد في الطلب إذ بلغوا ما يريدون من النوايا غير المشروعة، وليس كل حملة الألقاب كذلك.