قال الدارمي في مسنده [١٦٢]:" أخبرنا إبراهيم بن موسى وعمرو بن زرارة عن عبد العزيز بن محمد عن أبي سهيل قال كان على امرأتي اعتكاف ثلاثة أيام في المسجد الحرام فسألت عمر بن عبد العزيز وعنده ابن شهاب قال قلت عليها صيام قال ابن شهاب لا يكون اعتكاف إلا بصيام فقال له عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا قال فعن أبي بكر قال لا قال فعن عمر قال لا قال فعن عثمان قال لا قال عمر ما أرى عليها صياما فخرجت فوجدت طاوسا وعطاء بن أبي رباح فسألتهما فقال طاوس كان بن عباس لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها قال وقال عطاء ذلك رأيي ".
قال الحافظ [الفتح ٩/ ٤٨٤]: " قوله [وقال عثمان: ليس لمجنون ولا لسكران طلاق] وصله ابن أبي شيبة عن شبابة , ورويناه في الجزء الرابع من تاريخ أبي زرعة الدمشقي عن آدم بن أبي إياس كلاهما عن بن أبي ذئب عن الزهري قال:-[قال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز: طلقت امرأتي وأنا سكران، فكان رأي عمر بن عبد العزيز مع رأينا أن يجلده ويفرّق بينه وبين امرأته , حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال: [ليس على المجنون ولا على السكران طلاق] فقال عمر: تأمرونني وهذا يحدثني عن عثمان فجلده ورد إليه امرأته "
أقول: في الأثرين اعتداد عمر بن عبد العزيز بآثار الصحابة وكلاهما صحيح
قال عبد الرزاق [٢٤٧٦ - ١١/ ٢٥٦] " حدثنا معمر والثوري عن ابن أبجر: قال:- قال لي الشعبي: ما حدثوك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ به، وما قالوا فيه برأيهم فبل عليه ".
أقول: هذا كلام الشعبي في آراء التابعين فكيف بآراء من بعدهم؟!
وكما أننا ندعو إلى ترك القصاص، ولزوم غرز العلماء، ينبغي أن ندعو إلى لزوم غرز الأوائل من العلماء الذين بقيت تركتهم بيننا، ولا يعني هذا إهدار جهود العلماء بل ينبغي الإعتناء بعلوم العلماء السلفيين المعاصرين لاسيما في النوازل، ولكن الواجب أن تكون حصة الأسد من العناية لعلوم الأوائل.
قال عبد الرزاق [٢٠٤٨٧] " وأخبرنا معمر عن صالح بن كيسان قال:- اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم فاجتمعنا على أن نكتب السنن فكتبنا كل شيء سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم كتبنا أيضا ما جاء عن أصحابه فقلت لا ليس بسنة وقال هو بلى هو سنة فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت."
أقول: إسناده صحيح وهذا تنصيص من الزهري وصالح بن كيسان أن آثار الصحابة سنة.
وقال ابن عبد البر في [الجامع ٢/ ٦٦]:- " وذكر سنيد عن محمد بن كثير عن ابن شوذب عن أيوب عن ابن سيرين أنه سئل عن المتعة بالعمرة إلى الحج؟ قال:- كرهها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فإن يكن علماً فهما أعلم مني، وإن يكن رأياً فرأيهما أفضل "
أقول: كلام ابن سيرين هذا أصل في الأخذ بأقوال الصحابة في المسائل التي لا يعلم فيها بنصٍ معارض، ولا يقال:" هذا خلاف الأصول "، فإن الصحابة أعلم بأصول الشريعة وبالقياس عليها من كل من جاء بعدهم، فإذا كنا ننزه آحاد الفقهاء عن القول بما يخالف الأصول بغير بدليل فكيف يصح لنا أن نننسب ذلك إلى أفقه هذه الأمة بعد نبيها، وأقبح من ذلك دعوى بعضهم أن بعض فتاوى الصحابة تخالف ظاهر القرآن، سبحان الله!، إن الذي يظن في نفسه أنه أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن لمغرورٌ حقاً، وقد يكون غره أنه رجل وهم رجال، وما علم أن الرجال ليسوا كالرجال كما أن البحرين لا يسويان هذا عذبٌ فرات وذاك ملحٌ أجاج.