٣٧ - قال عبد الرزاق في المصنف [١٧٠٧٦]:
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا:
إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَهُوَ خَالُ حَفْصَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
فَقَدِمَ الْجَارُودُ سَيِّدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى عُمَرَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ قُدَامَةَ شَرِبَ فَسَكِرَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ حَدًّا مِنْ حِدُودِ اللَّهِ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهُ إِلَيْكَ فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ؟
قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ , فَدَعَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: بِمَ أَشْهَدُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ يَشْرَبُ وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ سَكْرَانَ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ تَنَطَّعْتَ فِي الشَّهَادَةِ.
قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قُدَامَةَ أَنْ يَقْدِمَ إِلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ.
فَقَالَ الْجَارُودُ لِعُمَرَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَقَالَ عُمَرُ: أَخَصْمٌ أَنْتَ أَمْ شَهِيدٌ؟ قَالَ: بَلْ شَهِيدٌ.
قَالَ: فَقَدْ أَدَّيْتَ شَهَادَتَكَ.
قَالَ: فَقَدْ صَمَتَ الْجَارُودُ حَتَّى غَدَا عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا حَدَّ اللَّهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا خَصْمًا، وَمَا شَهِدَ مَعَكَ إِلَّا رَجُلٌ.
فَقَالَ الْجَارُودُ: إِنِّي أُنْشِدُكَ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَتُمْسِكَنَّ لِسَانَكَ أَوْ لَأسُوءَنَّكَ.
فَقَالَ الْجَارُودُ: أَمَّا وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِالْحَقِّ أَنْ شَرِبَ ابْنُ عَمِّكَ وَتَسُوءُنِي.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ كُنْتَ تَشُكَّ فِي شَهَادَتِنَا فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنَةِ الْوَلِيدِ فَسَلْهَا، وَهِيَ امْرَأَةُ قُدَامَةَ.
فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى هِنْدَ ابْنَةِ الْوَلِيدِ يَنْشُدُهَا فَأَقَامَتِ الشَّهَادَةَ عَلَى زَوْجِهَا.
فَقَالَ عُمَرُ لِقُدَامَةَ: إِنِّي حَادُّكَ.
فَقَالَ: لَوْ شَرِبْتَ كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَجْلُدُونِي.
فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ؟
قَالَ قُدَامَةُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} الْآيَةُ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ , إِنَّكَ إِذَا اتَّقَيْتَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟
قَالُوا: لَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا كَانَ مَرِيضًا، فَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَيَّامًا وَأَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ عَلَى جَلْدِهِ.
فَقَالَ لِأَصْحَابِه ِ: مَاذَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟
قَالُوا: لَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا كَانَ ضَعِيفًا.
فَقَالَ عُمَرُ: لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَحْتَ السِّيَاطِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ، وَهُوَ فِي عُنُقِي ائْتُونِي بِسَوْطٍ تَامٍّ
فَأَمَرَ بِقُدَامَةَ فَجُلِدَ فَغَاضَبَ عُمَرُ قُدَامَةَ وَهَجَرَهُ فَحَجَّ وَقُدَامَةُ مَعَهُ مُغَاضِبًا لَهُ، فَلَمَّا قَفَلَا مِنْ حَجِّهِمَا، وَنَزَلَ عُمَرُ بِالسُّقْيَا نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ.
قَالَ: عَجِّلُوا عَلَيَّ بِقُدَامَةَ فَائْتُونِي بِهِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى آتٍ أَتَانِي فَقَالَ: سَالِمْ قُدَامَةَ فَإِنَّهُ أَخُوكَ.
فَعَجِّلُوا إِلَيَّ بِهِ فَلَمَّا أَتَوْهُ أَبَى أَنْ يَأْتِيَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ إِنْ أَبَى إِنْ يَجُرُّوهُ إِلَيْهِ فَكَلَّمَهُ عُمَرُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ صُلْحِهِمَا.
أقول: أوردته من أجل الصلح الذي وقع.