بين يديه، وذكرا أنهما رجعا عما أقرا به من الزنا قبل ذلك، فعقد السلطان لهما مجلسًا جمع فيه العلماء والقضاة الأربعة، فأفتى شيخ الإسلام برهان الدين صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان المستفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني الحنفي، وولده، فأمر السلطان بهما، فضربا في المجلس حتى ماتا تحت الضرب، وأمر بشنق المتهمين بالزنا على باب صاحب الترجمة، فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخة القبة الغورية والقضاة الأربعة الكمال الطويل الشافعي، والسري بن الشحنة الحنفي، والشرف الدميري المالكي، والشهاب الشبشتي الحنبلي، وكانت هذه الواقعة سبباً لتكدر دولة الغورية، وتبادي انحلال ملكه حتى قتل بعد سنتين بمرج دابق) (١) فلا شبهة دليل في القصة على أن الحدود لم تكن تقام، ولكن هذه الزيادة من تأليف د. علي جمعة.
* ثم أكمل د. علي جمعة تفلسفه فقال:"قد يوصف العصر بصفات تجعل الاستثناء مطبقًا بصورة عامة، في حين أن الاستثناء بطبيعته يجب أن يطبق بصورة مقصورة عليه، من ذلك وصف العصر بأنه عصر ضرورة، ومن ذلك وصف العصر بأنه عصر شبهة، ومن ذلك وصف العصر بأنه عصر فتنة، ومن ذلك وصف العصر بأنه عصر جهالة، وهذه الأوصاف تؤثر في الحكم الشرعي".
ودعواه أن العصر قد يوصف بصفات تجعل الاستثناء مطبقًا بصورة عامة تلاعب بالألفاظ، فكيف نصف عصورنا الحالية بهذه الصفات، مع استحالة اتفاق جميع الأفراد والأمصار في أحوالهم، إن هذه محاولة لنسف أصول الشريعة بمثل هذه الكلمات الجوفاء.
ما معنى عصر الضرورة؟ وما الضرورة؟ وما ضوابطها؟ وما تطبيقاتها؟
(١) كتاب الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، ج١، ص١٠٣.