للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتهمونهم في تفكيرهم وعقولهم، كما يفعل البعداء الذين لا خلاق لهم ولا دين من أدعياء الزعامة اليوم، ويأتي أحد أدعياء العلم ويذكر أن الشبهة لحقت بالبلاد والعباد!!

والذي فهمه العلماء أن عمر درأ الحد عندما كثرت الحاجة عمن يظن لحوق الشبهة به، كما قال الإمام أحمد لمن سأله عن هذا الأثر الذي روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (لا أقطعه، إذا حملته الحاجة، والناس في شدة ومجاعة) (١)، وقال الماوردي الشافعي:

(إذا سرق السارق في عام المجاعة والقحط، فعلى ضربين؛ أحدهما: أن يكون لغلاء السعر مع وجود الأقوات، فالقطع واجب على السارق، ولا تكون زيادة الأسعار مبيحة للسرقة، ولا مسقطة للقطع. والضرب الثاني: أن يكون لتعذر الأقوات وعدمها، فإن سرق ما ليس بقوت قطع، وإن سرق قوتًا لا يقدر على مثله لم يقطع، وكانت الضرورة شبهة في سقوط القطع، كما كانت شبهة في استباحة الأخذ، روي عن ابن عمر أنه قال: لا قطع في عام المجاعة، ولا قطع في عام سنة) (٢) وقال ابن القيم: (ومقتضى قواعد الشرع إذا كانت السنة سنة مجاعة وشدة، غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجانًا على الخلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجانًا؛ لوجوب المواساة، وإحياء النفوس، مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل، مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج ... وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه، فدرئ، نعم إذا بان أن السارق لا حاجة به، وهو مستغن عن السرقة، قطع) (٣). فهذا فهم العلماء لما يروى عن عمر أنه درأ الحد عمن يظن


(١) كتاب المغني لابن قدامة، ج٩، ص١١٨، ط دار إحياء التراث العربي.
(٢) كتاب الحاوي الكبير للماوردي، ج١٣، ص٣١٣.
(٣) كتاب إعلام الموقعين لابن القيم، ج٣, ص١٧ - ١٨, ط دار الكتب العلمية- بيروت.

<<  <   >  >>