للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله أيضا: [من الكامل]

إنّي عشيّة رحت وهي حزينة ... تشكو إليّ صبابة لصبور

وتقول: بت عندي، فديتك، ليلة ... أشكو إليك، فإنّ ذاك يسير

غرّاء مبسام، كأنّ حديثها ... درّ تحدّر نظمه منثور

محطوطة المتنين، مضمرة الحشا، ... ريّا الرّوادف، خلقها ممكور «١»

وقول الأقيشر «٢» في ابن عمّ له موسر، سأله فمنعه وقال: كم أعطيك ما لي وأنت تنفقه فيما لا يغنيك؟ والله لا أعطيتك. فتركه حتى اجتمع القوم في ناديهم وهو فيهم، فشكاه إلى القوم وذمّه، فوثب إليه ابن عمه فلطمه، فأنشأ يقول: [من الطويل]

سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه، ... وليس إلى داعي النّدى بسريع

حريص على الدّنيا، مضيع لدينه، ... وليس لما في بيته بمضيع «٣»

فتأمّل الآن هذه الأبيات كلّها، واستقرها واحدا واحدا، وانظر إلى موقعها في نفسك، وإلى ما تجده من اللّطف والظّرف إذا أنت مررت بموضع الحذف منها، ثم فليت النّفس عمّا تجد، وألطفت النظر فيما تحسّ به. ثم تكلّف أن تردّ ما حذف الشاعر، وأن تخرجه إلى لفظك، وتوقعه في سمعك، فإنك تعلم أن الذي قلت كما قلت، وأن ربّ حذف هو قلادة الجيد، وقاعدة التّجويد، وإن أردت ما هو أصدق في ذلك شهادة، وأدلّ دلالة، فانظر إلى قول عبد الله بن الزّبير يذكر غريما له قد ألحّ عليه: [من الطويل]

عرضت على زيد ليأخذ بعض ما ... يحاوله قبل اعتراض الشّواغل

فدبّ دبيب البغل يألم ظهره ... وقال: تعلّم، إنّني غير فاعل

تثاءب حتّى قلت: داسع نفسه ... وأخرج أنيابا له كالمعاول «٤»


(١) الأبيات لجميل بثينة، وهي في الأغاني (٨/ ١٥٦)، وقالها عند ما شكا زوج بثينة إلى أبيها وأخيها إلمام جميل بها، فوجهوا إلى جميل فأعذروا إليه وشكوه إلى عشيرته وتوعدوه وإياهم فلامه أهله وعنّفوه وقالوا: استخلص إليهم ونبرأ منك ومن جريرتك فأقام مدة لا يلم بها فلقي ابني عمه وقا ومسعدة فشكا إليهما ما به وأنشدهما هذه الأبيات.
(٢) الأقيشر: هو المغيرة بن عبد الله بن معرض الأسدي عاصر الإسلام وتوفي في خلافة عبد الملك عام ٨٠ هـ. انظر الأغاني (١/ ٢٥١).
(٣) البيتان في الإيضاح (٣٩)، والمفتاح (٢٦٦)، ولطائف التبيان (٤٥)، والإشارات والتنبيهات:
(٣٤)، والخزانة (٢/ ٢٨١)، ومعاهد التنصيص (٣/ ٢٤٢).
(٤) من مجموع شعره (١١٥)، عن الأغاني (١٤/ ٢٤٠، ٢٤١)، وغريم عبد الله يقال له: «ذئب» كما ذكر صاحب الأغاني.

<<  <   >  >>