فصل «هذا كلام في النّكرة إذا قدّمت على الفعل، أو قدّم الفعل عليها»
إذا قلت:«أجاءك رجل؟»، فأنت تريد أن تسأله هل كان مجيء من واحد من الرجال إليه، فإن قدمت الاسم فقلت:«أرجل جاءك؟»، فأنت تسأله عن جنس من جاءه، أرجل هو أم امرأة؟ ويكون هذا منك إذا كنت علمت أنه قد أتاه آت، ولكنك لم تعلم جنس ذلك الآتي، فسبيلك في ذلك سبيلك إذا أردت أن تعرف عين الآتي فقلت:«أزيد جاءك أم عمرو؟».
ولا يجوز تقديم الاسم في المسألة الأولى، لأن تقديم الاسم يكون إذا كان السؤال عن الفاعل، والسؤال عن الفاعل يكون إمّا عن عينه أو عن جنسه، ولا ثالث.
وإذا كان كذلك، كان محالا أن تقدّم الاسم النكرة وأنت لا تريد السؤال عن الجنس، لأنه لا يكون لسؤالك حينئذ متعلّق، من حيث لا يبقى بعد الجنس إلّا العين.
والنّكرة لا تدلّ على عين شيء فيسأل بها عنه.
فإن قلت:«أرجل طويل جاءك أم قصير؟»، كان السؤال عن أن الجائي كان، من جنس طوال الرجال أم قصارهم؟ فإن وصفت النكرة بالجملة فقلت:«أرجل كنت عرفته من قبل أعطاك هذا أم رجل لم تعرفه»، كان السؤال عن المعطي، أكان ممّن عرفه قبل، أم كان إنسانا لم تتقدّم منه معرفة [له].
وإذ قد عرفت الحكم في الابتداء بالنكرة في «الاستفهام»، فابن «الخبر» عليه.
فإذا قلت:«رجل جاءني»: لم يصلح حتى تريد أن تعلمه أن الذي جاءك رجل لا امرأة، ويكون كلامك مع من قد عرف أن قد أتاك آت. فإن لم ترد ذاك، كان الواجب أن تقول:«جاءني رجل»، فتقدّم الفعل.
وكذلك إن قلت:«رجل طويل جاءني»، لم يستقم حتّى يكون السامع قد ظنّ أنه قد أتاك قصير، أو نزّلته منزلة من ظنّ ذلك.
وقولهم:«شرّ أهرّ ذا ناب»«١»، إنما قدّم فيه «شرّ»، لأن المراد أن يعلم أن الذي أهرّ ذا الناب هو من جنس الشّرّ لا جنس الخير، فجرى مجرى أن تقول: «رجل
(١) ورد في مجمع الأمثال للميداني (١/ ٣٢٦)، وهو يضرب عند ظهور علامات الشر.