للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نوع برأسه، وذلك كنحو أن يقيّد بالحال والوقت، كقولك: «هو الوفيّ حين لا تظن نفس بنفس خيرا» «١». وهكذا إذا كان الخبر بمعنى يتعدّى، ثم اشترطت له مفعولا مخصوصا، كقول الأعشى: [من المتقارب] هو الواهب المائة المصطفاة، إمّا مخاضا وإمّا عشارا «٢» فأنت تجعل الوفاء في الوقت الذي لا يفي فيه أحد، نوعا خاصّا من الوفاء، وكذلك تجعل هبة المائة من الإبل نوعا خاصّا، وكذا الباقي. ثم إنّك تجعل كل هذا خبرا على معنى الاختصاص، وأنه للمذكور دون من عداه.

ألا ترى أن المعنى في بيت الأعشى: أنه لا يهب هذه الهبة إلّا الممدوح؟

وربما ظنّ الظانّ أن «اللام» في «هو الواهب المائة المصطفاة» بمنزلتها في نحو «زيد هو المنطلق»، من حيث كان القصد إلى هبة مخصوصة، كما كان القصد إلى انطلاق مخصوص. وليس الأمر كذلك، لأن القصد هاهنا إلى جنس من الهبة مخصوص، لا إلى هبة مخصوصة بعينها. يدلّك على ذلك أنّ المعنى على أنه يتكرّر منه، وعلى أن يجعله يهب المائة مرة بعد أخرى، وأما المعنى في قولك: «زيد هو المنطلق»، فعلى القصد إلى انطلاق كان مرة واحدة، لا إلى جنس من الانطلاق. فالتكرر هناك غير متصوّر، كيف؟ وأنت تقول: جرير هو القائل:

وليس لسيفي في العظام بقية تريد أن تثبت له قيل هذا البيت وتأليفه. فافصل بين أن تقصد إلى نوع فعل، وبين أن تقصد إلى فعل واحد متعيّن، حاله في المعاني حال زيد في الرجال، في أنه ذات بعينها.

والوجه الثالث: أن لا يقصد قصر المعنى في جنسه على المذكور، لا كما كان في «زيد هو الشجاع»، تريد أن لا تعتدّ بشجاعة غيره ولا كما ترى في قوله: «هو


(١) قالها جبار بن مسلم بن سلمى عند ما وقف على قبر عامر بن الطفيل (كان والله لا يضل حتى يضل النجم ولا يعطش حتى يعطش البعير ولا يهاب حتى يهاب السيف وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيرا). الإصابة (١٠٥١).
(٢) البيت في ديوانه (٤٠)، والإيضاح (١٠٥)، تحقيق د. هنداوي، المخاض: الحوامل من النوق واحدتها «خلف» بفتح فكسر ففتح، من غير لفظ الجمع، العشار: المناسب من معانيها لما في البيت من تفصيل أنها الوالدات من الإبل، واحدتها «عشراء». كنفساء زنة ومعنى، الأول في الإبل، والثاني في النساء.

<<  <   >  >>