للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس شيء أغلب على هذا الضرب الموهوم من «الذي»، فإنه يجيء كثيرا على أنك تقدّر شيئا في وهمك، ثم تعبر عنه «بالذي»، ومثال ذلك قوله: [من الطويل]

أخوك الّذي إن تدعه لملمّة ... يجبك، وإن تغضب إلى السّيف يغضب «١»

وقول الآخر: [من الطويل]

أخوك الّذي إن ربته قال: إنّما ... أربت، وإن عاتبته لان جانبه «٢»

فهذا ونحوه على أنك قدّرت إنسانا هذه صفته وهذا شأنه، وأحلت السامع على من يعنّ في الوهم، دون أن يكون قد عرف رجلا بهذه الصفة، فأعلمته أن المستحقّ لاسم الأخوّة هو ذلك الذي عرفه، حتى كأنك قلت: «أخوك زيد الذي عرفت أنّك إن تدعه لملمة يجبك».

ولكون هذا الجنس معهودا من طريق الوهم والتخيّل، جرى على ما يوصف بالاستحالة، كقولك للرجل وقد تمنّى: «هذا هو الذي لا يكون»، و «هذا ما لا يدخل في الوجود»، وكقوله: [من الكامل]

ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن سيكون «٣»

ومن لطيف هذا الباب قوله: [من الطويل]

وإنّي لمشتاق إلى ظلّ صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه «٤»

قد قدّر كما ترى ما لم يعلمه موجودا، ولذلك قال المأمون: «خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب». فهذا التعريف الذي تراه في الصاحب لا يعرض فيه شك أنه موهوم.

وأمّا قولنا: «المنطلق زيد»، والفرق بينه وبين أن تقول: «زيد المنطلق»، فالقول في ذلك أنك وإن كنت ترى في الظاهر أنّهما سواء من حيث كان الغرض في


(١) البيت لأبي حوط، حجية بن المضرب الكندي، وفي شرح الحماسة للتبريزي (٣/ ٩٨).
(٢) البيت لبشار بن برد في ديوانه، إن ربته أي: أتيت بما يرتاب فيه قال لك أربت أي: انتفت عنك الريبة.
(٣) البيت لعبد الله بن محمد بن أبي عيينة يقوله لذي اليمينين، وذو اليمينين طاهر بن الحسن بن رزيق مولى طلحة الطلحات الخزاعي وكان طاهر من أكبر أعوان المأمون ويحكى عنه في سبب التسمية بذي اليمينين أنه ضرب إنسانا بيساره فجعله قسمين. والبيت في الكامل للمبرد (٢٦)، وقبله:
لما رأيتك قاعدا مستثقلا ... أيقنت أنك للهموم قرين
فارفض بها وتعرّ من أثوابها ... إن كان عندك للقضاء يقين
(٤) البيت لأبي العتاهية في ديوانه.

<<  <   >  >>