تقديم وتأخير، وأنه قد حصل لك بذلك من زيادة المعنى، ما إن حاولته مع تركه لم يحصل لك، واحتجت إلى أن تستأنف له كلاما، نحو أن تقول:«وجعلوا الجنّ شركاء لله، وما ينبغي أن يكون لله شريك لا من الجن ولا من غيرهم»، ثم لا يكون له إذا عقل من كلامين من الشرف والفخامة ومن كرم الموقع في النفس، ما تجده له الآن وقد عقل من هذا الكلام الواحد.
ومما ينظر إلى مثل ذلك، قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ [البقرة: ٩٦]، إذا أنت راجعت نفسك وأذكيت حسّك، وجدت لهذا التنكير وأن قيل:«على حياة»، ولم يقل:«على الحياة»، حسنا وروعة ولطف موقع لا يقادر قدره، وتجدك تعدم ذلك مع التعريف، وتخرج عن الأريحيّة والأنس إلى خلافهما.
والسبب في ذلك أن المعنى على الازدياد من الحياة لا الحياة من أصلها، وذلك أنه لا يحرص عليه إلا الحيّ، فأما العادم للحياة فلا يصحّ منه الحرص على الحياة ولا على غيرها. وإذا كان كذلك، صار كأنه قيل:«ولتجدنّهم أحرص الناس، ولو عاشوا ما عاشوا، على أن يزدادوا إلى حياتهم في ماضي الوقت وراهنه، حياة في الذي يستقبل». فكما أنّك لا تقول هاهنا:«أنّ يزدادوا إلى حياتهم الحياة» بالتعريف، وإنما تقول:«حياة» إذ كان التعريف يصلح حيث تراد الحياة على الإطلاق، كقولنا:
«كل أحد يحب الحياة، ويكره الموت»، كذلك الحكم في الآية.
والذي ينبغي أن يراعى: أنّ المعنى الذي يوصف الإنسان بالحرص عليه، إذا كان موجودا حال وصفك له بالحرص عليه، لم يتصوّر أن تجعله حريصا عليه من أصله. كيف؟ ولا يحرص على الراهن ولا الماضي، وإنما يكون الحرص على ما لم يوجد بعد.
وشبيه بتنكير الحياة في هذه الآية تنكيرها في قوله عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة: ١٧٩]، وذلك أن السبب في حسن التنكير، وأن لم يحسن التعريف، أن ليس المعنى على الحياة نفسها، ولكن على أنه لما كان الإنسان إذا علم أنه إذا قتل قتل، ارتدع بذلك عن القتل، فسلم صاحبه، صار حياة هذا المهموم بقتله «١» في مستأنف الوقت، مستفادة بالقصاص، وصار كأنّه قد حيي في باقي عمره به. وإذا كان المعنى على حياة في بعض أوقاته، وجب التنكير وامتنع التعريف، من حيث كان التعريف يقتضي أن تكون الحياة قد كانت بالقصاص من