للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنك نفيت عنه الأوصاف تنافي القيام، نحو أن يكون «جالسا» أو «مضطجعا» أو «متكئا»، أو ما شاكل ذلك ولم ترد أنك نفيت ما ليس من القيام بسبيل، إذ لسنا ننفي عنه بقولنا: «ما هو إلّا قائم» أن يكون «أسود» أو «أبيض» أو «طويلا» أو «قصيرا» أو «عالما» أو «جاهلا»، كما أنّا إذا قلنا: «ما قائم إلّا زيد»، لم نرد أنّه ليس في الدنيا قائم سواه، وإنما نعني ما قائم حيث نحن، وبحضرتنا، وما أشبه ذلك.

واعلم أنّ الأمر بيّن في قولنا: «ما زيد إلّا قائم»، أن ليس المعنى على نفي الشّركة، ولكن على نفي أن لا يكون المذكور، ويكون بدله شيء آخر. ألا ترى أن ليس المعنى أنّه ليس له مع «القيام» صفة أخرى، بل المعنى أن ليس له بدل القيام صفة ليست بالقيام، وأن ليس القيام، منفيّا عنه، وكائنا مكانه فيه «القعود» أو «الاضطجاع» أو نحوهما.

فإن قلت: فصورة المعنى إذن صورته إذا وضعت الكلام «بإنما» فقلت: «إنّما هو قائم»، ونحن نرى أنه يجوز في هذا أن تعطف «بلا» فتقول: «إنما هو قائم لا قاعد»، ولا نرى ذلك جائزا مع «ما» و «إلّا»، إذا ليس من كلام الناس أن يقولوا: «ما زيد إلا قائم لا قاعد».

فإنّ ذلك إنّما لم يجز من حيث أنك إذا قلت: «ما زيد إلا قائم»، فقد نفيت عنه كلّ صفة تنافي «القيام»، وصرت كأنك قلت: «ليس هو بقاعد ولا مضطجع ولا متّكئ»، وهكذا حتّى لا تدع صفة يخرج بها من «القيام». فإذا قلت من بعد ذلك «لا قاعد»، كنت قد نفيت «بلا» العاطفة شيئا قد بدأت فنفيته، وهي موضوعة لأن تنفي بها ما بدأت فأوجبته، لا لأن تفيد بها النّفي في شيء قد نفيته. ومن ثمّ لم يجز أن تقول: «ما جاءني أحد لا زيد»، على أن تعمد إلى بعض ما دخل في النفي بعموم «أحد» فتنفيه على الخصوص، بل كان الواجب إذا أردت ذلك أن تقول: «ما جاءني أحد ولا زيد»، فتجيء «بالواو» من قبل «لا»، حتى تخرج بذلك من أن تكون عاطفة، فاعرف ذلك.

وإذ قد عرفت فساد أن تقول: «ما زيد إلّا قائم لا قاعد»، فإنك تعرف بذلك امتناع أن تقول: «ما جاءني إلّا زيد لا عمرو» و «ما ضربت إلّا زيدا لا عمرا»، وما شاكل ذلك. وذلك أنّك إذا قلت: «ما جاءني إلّا زيد»، فقد نفيت أن يكون قد جاءك أحد غيره، فإذا قلت: «لا عمرو»، كنت قد طلبت أن تنفي «بلا» العاطفة شيئا قد تقدمت فنفيته، وذلك،

كما عرّفتك، خروج بها عن المعنى الذي وضعت له إلى خلافه.

<<  <   >  >>