مزية على الذي يعقل من قولهم:«الطبع لا يتغير»، و «لا يستطيع أن يخرج الإنسان عمّا جبل عليه» وأن لا يرى لقول أبي نواس: [من السريع]
وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
مزيّة على أن يقال:«غير بديع في قدرة الله تعالى أن يجمع فضائل الخلق كلّهم في رجل واحد». ومن أدّاه قول يقوله إلى مثل هذا، كان الكلام معه محالا، وكنت إذا كلّفته أن يعرف، كمن يكلّف أن يميّز بحور الشعر بعضها من بعض، فيعرف المديد من الطّويل، والبسيط من السّريع من ليس له ذوق يقيم به الشعر من أصله.
وإن اعترف بأنّ ذلك يكون، قلنا له: أخبرنا عنك، أتقول في قوله:
وتأبى الطّباع على الناقل «١» أنه غاية في الفصاحة؟ فإذا قال: نعم. قيل له: أفكان كذلك عندك من أجل حروفه، أم من أجل حسن ومزيّة حصلا في المعنى فإن قال: من أجل حروفه: دخل في الهذيان وإن قال: من أجل حسن ومزيّة حصلا في المعنى، قيل له: فذاك ما أردناك عليه حين قلنا: إن اللفظ يكون فصيحا من أجل مزية تقع في معناه، لا من أجل جرسه وصداه.
واعلم أنه ليس شيء أبين وأوضح وأحرى أن يكشف الشبهة عن متأمّله في صحة ما قلناه، من «التشبيه». فإنّك تقول:«زيد كالأسد» أو «مثل الأسد» أو «شبيه بالأسد»، فتجد ذلك كلّه تشبيها غفلا ساذجا ثم تقول:«كأن زيدا الأسد»، فيكون تشبيها أيضا، إلّا أنّك ترى بينه وبين الأول بونا بعيدا، لأنك ترى له صورة خاصّة، وتجدك قد فخّمت المعنى وزدت فيه، بأن أفدت أنه من الشّجاعة وشدّة البطش، وأنّ قلبه قلب لا يخامره الذّعر ولا يدخله الرّوع، بحيث يتوهّم أنه الأسد بعينه ثم تقول:«لئن لقيته ليلقينّك منه الأسد»، فتجده قد أفاد هذه المبالغة، لكن في صورة أحسن، وصفة أخصّ، وذلك أنك تجعله في «كأن»، يتوهّم أنه الأسد، وتجعله هاهنا يرى منه الأسد على القطع، فيخرج الأمر عن حدّ التوهّم إلى حدّ اليقين ثم نظرت إلى قوله:[من الطويل]