يكون للتفسير إلّا دلالة واحدة، وهي دلالة اللفظ. وهذا الفرق هو سبب أن كان للمفسّر الفضل والمزيّة على التفسير.
ومحال أن يكون هذا قضيّة المفسّر والتّفسير في ألفاظ اللغة، ذاك لأن معنى المفسّر يكون دالّا مجهولا عند السامع، ومحال أن يكون للمجهول دلالة.
ثم إن معنى المفسّر يكون هو معنى التفسير بعينه، ومحال إذا كان المعنى واحدا أن يكون للمفسّر فضل على التفسير، لأن الفضل كان في مسألتنا بأن دلّ لفظ المفسّر على معنى، ثم دلّ معناه على معنى آخر. وذلك لا يكون مع كون المعنى واحدا ولا يتصوّر.
بيان هذا: أنّه محال أن يقال إن معنى «الشّرجب» الذي هو المفسّر، يكون دليلا على معنى تفسير الذي هو «الطويل» على وزان قولنا إن معنى: «كثير رماد القدر»، يدل على معنى تفسيره الذي هو «كثير القرى»، لأمرين:
أحدهما: أنك لا تفسّر «الشرجب» حتى يكون معناه مجهولا عند السامع، ومحال أن يكون للمجهول دلالة.
والثاني: أن المعنى في تفسيرنا «الشرجب» بالطويل، أن نعلم السامع أن معناه هو معنى الطويل بعينه. وإذا كان كذلك، كان محالا أن يقال: إن معناه يدل على معنى الطويل، بل الذي يعقل أن يقال: إنّ معناه هو معنى الطويل. فاعرف ذلك.
وانظر إلى لعب الغفلة بالقوم، وإلى ما رأوا في منامهم من الأحلام الكاذبة! ولو أنهم تركوا الاستنامة إلى التقليد، والأخذ بالهوينا، وترك النّظر، وأشعروا قلوبهم أن هاهنا كلاما ينبغي أن يصغى إليه لعلموا، ولعاد إعجابهم بأنفسهم في سؤالهم هذا وفي سائر أقوالهم، عجبا منها ومن تطويح الظنون بها.
وإذ قد بان سقوط ما اعترض به القوم وفحش غلطهم، فينبغي أن تعلم أن ليست المزايا التي تجدها لهذه الأجناس على الكلام المتروك على ظاهره، والمبالغة التي تحسّها في أنفس المعاني التي يقصد المتكلم بخبره إليها، ولكنّها في طريق إثباته لها، وتقريره إيّاها، وأنّك إذا سمعتهم يقولون:«إن من شأن هذه الأجناس أن تكسب المعاني مزيّة وفضلا، وتوجب لها شرفا ونبلا، وأن تفخّمها في نفوس السامعين» فإنهم لا يعنون أنفس المعاني، كالتي يقصد المتكلم بخبره إليها، كالقرى والشجاعة والتردّد في الرأي، وإنما يعنون إثباتها لما تثبت له ويخبر بها عنه.
فإذا جعلوا للكناية مزيّة على التصريح، لم يجعلوا تلك المزيّة في المعنى المكني