للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فادفع بكفّك، إن أردت بناءنا، ... ثهلان ذا الهضبات، هل يتحلحل؟ «١»

وجملة الأمر أنهم لا يجعلون الشاعر «محتذيا» إلّا بما يجعلونه به آخذا ومسترقا، قال ذو الرمة: [من الوافر]

وشعر قد أرقت له غريب ... أجنّبه المساند والمحالا

فبتّ أقيمه وأقدّ منه ... قوافي لا أريد لها مثالا «٢»

قال يقول: لا أحذوها على شيء سمعته.

فأمّا أن يجعل إنشاد الشّعر وقراءته «احتذاء»، فما لا يعلمونه كيف؟ وإذا عمد عامد إلى بيت شعر فوضع مكان كلّ لفظة لفظا في معناه، كمثل أن يقول في قوله:

[من البسيط]

دع المكارم لا ترحل لبغيتها، ... واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي

ذر المآثر لا تذهب لمطلبها، ... واجلس فإنك أنت الآكل اللّابس «٣»

لم يجعلوا ذلك «احتذاء» ولم يؤهّلوا صاحبه لأن يسموه «محتذيا»، ولكن يسمّون هذا الصنيع «سلخا» «٤»، ويرذّلونه ويسخّفون المتعاطي له. فمن أين يجوز لنا أن نقول في صبيّ يقرأ قصيدة امرئ القيس: إنه احتذاه في قوله:


(١) البيت للفرزدق في ديوانه ص (١٥٧) من قصيدة مطلعها:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا، دعائمه أعزّ وأطول
وثهلان: جبل، ويتحلحل: يتحرك، يقال: حلحل القوم أزالهم عن مواضعهم، والتحلحل:
التحرّك، انظر البيت في اللسان (حلل)، وجاء برواية «ذو» بدلا من «ذا» والصواب ذا. وفي مقاييس اللغة (٢/ ٢٠)، وتاج العروس (ثهل)، (حلل)، وبلا نسبة في أساس البلاغة (ثهل).
(٢) البيتان لذي الرّمة في ديوانه ص (٢٠٠)، والأول في أساس البلاغة (فعل)، والثاني في لسان العرب (سند). والأرق: السهر. المساند في الشّعر كالسّناد وهو من عيوب الشّعر. المحال من الكلام:
ما صرف عن وجهه. وقوله: أقيمه، أي: أقيم الشّعر شعرا لا يقوله غيره. والبيتان من قصيدة له يمدح فيها بلال بن أبي بردة مطلعها:
أراح فريق جيرتك الجمالا ... كأنهم يريدون احتمالا
والاحتمال: الرحيل.
(٣) البيت للحطيئة في ديوانه ص (١٠٨)، والأزهية ص (١٧٥)، والأغاني (٢/ ١٥٥)، وخزانة الأدب (٦/ ٢٩٩)، وشرح شواهد الشافية (ص ١٢٠)، وشرح شواهد المغني (٢/ ٩١٦)، وشرح المفصل (٦/ ١٥)، والشعر والشعراء (ص ٣٣٤)، ولسان العرب (ذرق)، (طعم)، (كسا)، وتاج العروس (طعم)، (كسا)، وكتاب العين (١/ ١٤٣)، وبلا نسبة في تلخيص الشواهد (ص ٤١٨)، وكتاب العين (٢/ ٢٦).
(٤) السلخ: وهو نوع من أنواع السرقات الشعرية وهو الإلمام ومن أنواع السرقات «النسخ، المسخ ... ».

<<  <   >  >>