للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمعنى شيئا، وترون أنه لا يحدث فيه مزية على وجه من الوجوه. وإذا كان كذلك، فمن أين، ليت شعري، يكون أحقّ به؟ فاعرفه.

ثم إن أردت مثالا في ذلك، فإنّ من أحسن شيء فيه، ما صنع أبو تمام في بيت أبي نخيلة، وذلك أن أبا نخيلة قال في مسلمة بن عبد الملك: [من الطويل]

أمسلم، إنّي يا ابن كلّ خليفة، ... ويا جبل الدّنيا، ويا واحد الأرض

شكرتك، إنّ الشّكر حبل من التّقى، ... وما كلّ من أوليته صالحا يقضي

وأنبهت لي ذكري، وما كان خاملا، ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض «١»

فعمد أبو تمام إلى هذا البيت الأخير فقال: [من الطويل]

لقد زدت أوضاحي امتدادا، ولم أكن ... بهيما، ولا أرضي من الأرض مجهلا

ولكن أياد صادفتني جسامها ... أغرّ، فأوفت بي أغرّ محجّلا «٢»

وفي «كتاب الشعر والشعراء» للمرزباني فصل في هذا المعنى حسن. قال:

ومن الأمثال القديمة قولهم: «حرّا أخاف على جاني كمأة لا قرّا» «٣»، يضرب مثلا للذي يخاف من شيء فيسلم منه ويصيبه غيره مما لم يخفه، فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال: [من الكامل]

وحذرت من أمر فمرّ بجانبي ... لم ينكني، ولقيت ما لم أحذر «٤»


(١) الأبيات في الأغاني (٢٠/ ٤٠٥) يمدح فيها مسلمة بن عبد الملك، وجاء البيت الأول برواية أخرى لفظها:
أمسلم إني يا ابن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
والبيت الأول في زهر الآداب (٢/ ٩٢٥)، وطبقات الشعراء (ص ٦٤)، ولسان العرب (نفض)، وبلا نسبة في الإنصاف. والثاني: في تاج العروس (بعض)، والثالث: في لسان العرب (شكر) وجاء بلفظ:
ونوّهت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
(٢) البيتان لأبي تمام في ديوانه (ص ٢٣٧) من قصيدة يمدح فيها محمد بن عبد الملك الزيّات، وجاء البيت الثاني بلفظ: «ألفت» بدلا من «أوفت»، والأوضاح: جمع وضح وهو الغرّة في جبهة الفرس والتحجيل. والمجهل: المفازة التي لا أعلام فيها ألفت: لقيت، وقال الشيخ شاكر: «وأرضي» يعني دياره وديار قومه ليست بمجهل من الأرض، يعني شهرتهم ومن ضبط «أرضى» فعلا مضارعا فقد أخطأ المعنى.
(٣) في جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (١/ ٣٧٣)، وفي مجمع الأمثال (٢١٢/ ١).
(٤) نكي العدوّ نكاية: أصاب منه، ونكيت في العدوّ نكاية إذا قلت فيهم وجرحت وهزمت وغلبت.
اللسان (نكى). والبيت لسهم بن حنظلة في المؤتلف والمختلف للآمدي (ص ١٣٥).

<<  <   >  >>