يصحّ أن يقال:«ضرب زيد»، إلا إذا كان الضرب قد وجد من زيد. وكذلك يجب في النّفي أن لا يصح أن يقال:«ما ضرب زيد»، إلا إذا كان الضرب لم يوجد منه، لأن تجويز أن يقال:«ضرب زيد»، من غير أن يكون قد كان منه ضرب، وأن يقال:«ما ضرب زيد»، وقد كان منه ضرب، يوجب على أصلهم إخلاء اللفظ من معناه الذي وضع ليدلّ عليه. وذلك ما لا يشكّ في فساده.
ولا يلزمنا ذلك على أصلنا، لأن معنى «اللفظ» عندنا هو الحكم بوجود المخبر به من المخبر عنه أو فيه، إذا كان الخبر إثباتا، والحكم بعدمه إذا كان نفيا، واللّفظ عندنا لا ينفكّ من ذلك ولا يخلو منه. وذلك لأن قولنا:«ضرب» و «ما ضرب»، يدلّ من قول الكاذب على نفس ما يدلّ عليه من قول الصادق، لأنّا إن لم نقل ذلك، لم يخل من أن يزعم أنّ الكاذب يخلي اللّفظ من المعنى، أو يزعم أنه يجعل للّفظ معنى غير ما وضع له، وكلاهما باطل.
ومعلوم أنه لا يزال يدور في كلام العقلاء في وصف الكاذب:«أنه يثبت ما ليس بثابت، وينفي ما ليس بمنتف»، والقول بما قالوه يؤدّي إلى أن يكون العقلاء قد قالوا المحال، من حيث يجب على أصلهم أن يكونوا قد قالوا: إن الكاذب يدلّ على وجود ما ليس بموجود، وعلى عدم ما ليس بمعدوم. وكفى بهذا تهافتا وخطلا، ودخولا في اللّغو من القول.
وإذا اعتبرنا أصلنا كان تفسيره: أن الكاذب يحكم بالوجود فيما ليس بموجود، وبالعدم فيما ليس بمعدوم، وهو أسدّ كلام وأحسنه.
والدليل على أن اللّفظ من قول الكاذب يدلّ على نفس ما يدلّ عليه من قول الصادق، أنهم جعلوا خاصّ وصف الخبر أنه يحتمل الصّدق والكذب، فلولا أن حقيقته فيهما حقيقة واحدة، لما كان لحدّهم هذا معنى. ولا يجوز أن يقال: إن الكاذب يأتي بالعبارة على خلاف المعبّر عنه، لأن ذلك إنما يقال فيمن أراد شيئا، ثم أتى بلفظ لا يصلح للذي أراد، ولا يمكننا أن نزعم في الكاذب أنه أراد أمرا، ثم أتى بعبارة لا تصلح لما أراد.
ومما ينبغي أن يحصّل في هذا الباب، أنهم قد أصّلوا في «المفعول» وكلّ ما زاد على جزئي الجملة، أنه يكون زيادة في الفائدة. وقد يتخيّل إلى من ينظر إلى ظاهر هذا من كلامهم، أنهم أرادوا بذلك أنك تضمّ بما تزيده على جزئي الجملة فائدة أخرى، وينبني عليه أن ينقطع عن الجملة، حتى يتصوّر أن يكون فائدة على