للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وله: [من الطويل]

يناجيني الإخلاف من تحت مطله ... فتختصم الآمال واليأس في صدري «١»

وممّا هو في غاية الحسن، وهو من الفنّ الأول، قول الشاعر أنشده الجاحظ:

[من الطويل]

لقد كنت في قوم عليك أشحّة ... بنفسك، إلّا أنّ ما طاح طائح

يودّون لو خاطوا عليك جلودهم، ... ولا تدفع الموت النّفوس الشّحائح «٢»

قال: وإليه ذهب بشار في قوله: [من الرجز]

وصاحب كالدّمّل الممدّ ... حملته في رقعة من جلدي «٣»

ومن سرّ هذا الباب، أنك ترى اللفظة المستعارة قد استعيرت في عدة مواضع، ثم ترى لها في بعض ذلك ملاحة لا تجدها في الباقي. مثال ذلك أنك تنظر إلى لفظة «الجسر» في قول أبي تمام: [من البسيط]

لا يطمع المرء أن يجتاب لجّته ... بالقول ما لم يكن جسرا له العمل «٤»

وقوله: [من البسيط]

بصرت بالرّاحة العظمى فلم ترها ... تنال إلّا على جسر من التّعب «٥»

فترى لها في الثاني حسنا لا تراه في الأول، ثم تنظر إليها في قول ربيعة الرّقيّ:

[من البسيط]


(١) البيت في ديوانه برواية:
تجاذبني الأطراف بالوصل والقلى ... فتختصم الآمال واليأس في الصدر
والقلى: البغض.
(٢) البيت الثاني منهما للنطاح وهو في تاج العروس برواية: «بودّي» بدلا من «يودّون»، انظر التاج (ودد). والبيتان في البيان والتبيين (١/ ٥٠)، وقال: «ذهب إلى قول الأغر الشاعر» وأنشد البيتين.
وطاح: هلك وسقط، والطائح: الهالك المشرف على الهلاك. اللسان (طوح).
(٣) في ديوانه، وفي البيان (١/ ٥٠). والدّمّل: واحد دماميل القروح، والممدّ: الجرح فيه مدّة، وأمدّ الجرح يمدّ إمدادا: صارت فيه مدة. اللسان (دمل)، (مدد).
(٤) في ديوانه، وروايته: «أن يجتاب غمرته» ويروى «ويجتاز غمرته» وجاب الشيء جوبا واجتابه:
خرقه، ورجل جوّاب: معتاد لذلك إذا كان قطاعا للبلاد سيارا فيها. اللسان (جوب). واللّجة من لجّ يلجّ، ولجّة البحر: حيث لا يدرك قعره. ولج الوادي: جانبه، ولج البحر: عرضه، قيل: ولج البحر: الماء الكثير الذي لا يرى طرفاه، واللّجّ: السيف تشبيها بلجّ البحر.
(٥) في ديوانه برواية: بالراحة الكبرى» والراحة والرّويحة بمعنى واحد. قيل: قعدنا في الظل نلتمس الراحة، والراحة: الكف وجمعها «راح»، انظر اللسان (روح).

<<  <   >  >>