للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد ترى في أوّل الأمر أنّ حسنه أجمع في أن جعل للدهر «وجنة»، وجعل البنيّة «خالا» في الوجنة، وليس الأمر على ذلك، فإن موضع الأعجوبة في أن أخرج الكلام مخرجه الذي ترى، وأن أتى «بالخال» منصوبا على الحال من قوله «فبناها». أفلا ترى أنك لو قلت: «وهي خال في وجنة الدهر»، لوجدت الصورة غير ما ترى؟ وشبيه بذلك أنّ ابن المعتز قال: [من المجتث]

يا مسكة العطّار ... وخال وجه النهار «١»

وكانت الملاحة في الإضافة بعد الإضافة، لا في استعارة لفظة «الخال»؛ إذ معلوم أنه لو قال: «يا خالا في وجه النهار» أو «يا من هو خال في وجه النهار»، لم يكن شيئا.

ومن شأن هذا الضّرب أن يدخله الاستكراه، قال الصاحب «٢»: «إياك والإضافات المداخلة، فإن ذلك لا يحسن»، وذكر أنه يستعمل في الهجاء كقول القائل: [من الخفيف]

يا عليّ بن حمزة بن عماره ... أنت والله ثلجة في خياره «٣»

ولا شبهة في ثقل ذلك في الأكثر، ولكنه إذا سلم من الاستكراه لطف وملح.

ومما حسن فيه قول ابن المعتز أيضا: [من الطويل]

وظلّت تدير الرّاح أيدي جآذر ... عتاق دنانير الوجوه ملاح «٤»

ومما جاء منه حسنا جميلا قول الخالديّ في صفة غلام له: [من المنسرح]


(١) البيت في ديوانه (ص ٢٥٣) فانظره، ويليه:
ولعبة أحكتها عناية النجّار ... من آبنوس تسمى باليمن بين الجواري.
(٢) هو الصاحب بن عباد وزير البويهيين.
(٣) البيت لم أعثر على قائله، وهو في الإيضاح (ص ٩)، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، ولعلي بن حمزة المهجو في هذا البيت ترجمته في الجزء الخامس من معجم الأدباء لياقوت، وفي قوله:
«ثلجة في خياره» قلب والأصل خيارة في ثلجة.
(٤) البيت في ديوانه (١٤٥) (طبعة دار صادر) وهو ثاني بيتين في الديوان والبيت الذي قبله:
لبسنا إلى الخمار والنجم غائر ... غلالة ليل طرّزت بصباح
والبيت في الإيضاح (ص ١٠)، والراح: الخمر، الجآذر: جمع جؤذر وهو ولد البقرة الوحشية، وعتاق: جمع عتيق أي كريم، وإضافة دنانير إلى الوجوه من إضافة المشبه به إلى المشبه، والشاهد في قوله: عتاق دنانير الوجوه.

<<  <   >  >>