للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو في تكذيب مدّع كقوله عز وجل: وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ [المائدة: ٦١]، وذلك أن قولهم: «آمنا»، دعوى منهم أنهم لم يخرجوا بالكفر كما دخلوا به، فالموضع موضع تكذيب.

أو فيما القياس في مثله أن لا يكون، كقوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الفرقان: ٣]، وذلك أن عبادتهم لها تقتضي أن لا تكون مخلوقة.

وكذلك في كل شيء كان خبرا على خلاف العادة، وعمّا يستغرب من الأمر نحو أن تقول: «ألا تعجب من فلان؟ يدّعي العظيم، وهو يعيا باليسير، ويزعم أنه شجاع، وهو يفزع من أدنى شيء».

ومما يحسن ذلك فيه ويكثر، الوعد والضّمان، كقول الرجل: «أنا أعطيك، أنا أكفيك، أنا أقوم بهذا الأمر»، وذلك أنّ من شأن من تعده وتضمن له، أن يعترضه الشكّ في تمام الوعد وفي الوفاء به، فهو من أحوج شيء إلى التأكيد.

وكذلك يكثر في المدح، كقولك: «أنت تعطي الجزيل، أنت تقري في المحل، أنت تجود حين لا يجود أحد»، وكما قال: [من الكامل]

ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثمّ لا يفري «١»

وكقول الآخر: [من الرمل] نحن في المشتاة ندعو الجفلى «٢» وذلك أنّ من شأن المادح أن يمنع السامعين من الشكّ فيما يمدح به، ويباعدهم من الشبهة، وكذلك المفتخر.


(١) البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو في ديوانه (٣١) من قصيدة قالها في مدح هرم بن سنان، وهو في مفتاح العلوم (١٢٣). فرى الشيء يفريه: قطعه، وفرى المزادة صنعها، والخلق التقدير والذي يصنع شيئا من الجلد ونحوه على مثال سابق كالمزادة والنعل بقدر ثم يقطع ويفصل.
(٢) البيت لطرفة بن العبد، وهو في ديوانه (٥٥) من قصيدة طويلة قالها مخاطبا نفسه، ثم راح يصف ملاهيه وجوانب من مفاخره الجماعية. ومطلعها:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر
لا يكن حبك داء قاتلا ... ليس هذا منك ماوي بحر
المشتاة: وقت الشتاء البارد. الجفلى: الدعوة العامة إلى الطعام دونما تخصيص. الانتقار: دعوة النقرى، وهي دعوة خاصة بخلاف الجفلى فهي عامة.

<<  <   >  >>