للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَنْ تدبّر الأحاديث المروية عمن يمكن أن يُتكلَّم فيه من الطلقاء ونحوهم= ظهر له صِدْق القوم؛ فإنَّ المرويّ عن هؤلاء قليل، ولا تكاد تجد حديثًا يصحّ عن أحدٍ منهم إلا وقد صحَّ بلفظه أو معناه عن غيره من المهاجرين أو الأنصار. وقد كانت بين القوم إحَنٌ (١) بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو استساغ أحدٌ منهم الكذب لاختلق أحاديث تقتضي ذمَّ خصمه، ولم نجد من هذا شيئًا صحيحًا صريحًا.

وفوق هذا كله فأهل السنة لم يدَّعوا عصمةَ القوم، بل غاية ما ادَّعوه أنه ثبت لهم أصل العدالة، ثم لم يثبت ما يزيلها. والمخالف يزعم أنه قد ثبت عنده في حقِّ بعضهم ما يزيل العدالة، فانحصر الخلاف في تلك الأمور التي زعمها، فإذا أثبت أهل السنة أنها لم تصح، وأن ما صحَّ منها لا يقتضي زوال العدالة استتبَّ الأمر. فأمّا من ثبتَ شهادةُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له بالمغفرة والجنة فقد تضمن ذلك تعديلهم أوّلًا وآخرًا. والله الموفق.

[ص ٣٧] تنبيه:

أما الخطأ فقد وقع من بعض الصحابة، كقول ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مرةً في رجب (٢)، وغير ذلك مما يعرف بتتبع كتب السنة (٣).


(١) أي: حقد وعداوة.
(٢) أخرجه البخاري (١٧٧٥، ١٧٧٦)، ومسلم (١٢٥٥) وقد استدركت عليه عائشة رضي الله عنها هذا القول، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رجب قط.
(٣) وقد تتبّع الزركشيّ ما استدركته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على الصحابة في كتاب سمّاه "الإجابة عما استدركته عائشة على الصحابة".

<<  <   >  >>