للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما المراد بها هنا فهو: أن الله تعالى قد خلق البشر عموماً على الإقرار بربوبيته تعالى وتوحيده، ومن المعلوم أن الله جل وعلا قد فطر الناس على أشياء كثيرة عديدة، ومن ضمن ما فطرهم عليه الاقرار لله بالربوبية. وهذا هو الذي يفسر اتفاق البشر على الإقرار لله بالربوبية، ولم يخالف في ذلك إلا شواذ من البشر من الملاحدة، مثل فرعون ومن كان على شاكلته (١).

ويستدلون لهذا الدليل بأدلة عديدة، منها:

قوله عز وجل {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} الأعراف (١٧٢).

وأخرج الإمام أحمد (٢) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني بعرفة ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال: ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " (٣).


(١) من الجدير بالذكر أن الملاحدة يظهرون الإلحاد ويتبجحون به وإن كانوا في قرارة نفوسهم يعلمون أن الله خالقهم كما قال تعالى عن فرعون وقومه {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} النمل (١٣ - ١٤)، وقال تعالى ذاكراً خطاب موسى لفرعون {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} الإسراء (١٠٢)
(٢) أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة والمحدثين، ناصر الإسلام والسنة. كان الإمام الشافعي يجله ويثني عليه ثناءً حسناً، وكان من أصحابه وخواصه. توفي رحمه الله سنة ٢٤١?. انظر: مختصر طبقات الحنابلة ص ٧ - ١٧.
(٣) مسند الإمام أحمد (١/ ٢٧٢)، وذكر ابن كثير في تفسيره (٢/ ٢٤١) روايات عديدة في هذا المعنى ورجح وقفها على ابن عباس رضي الله عنه.

<<  <   >  >>