للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بين السماء والأرض من الكواكب آيات واضحات ظاهرات، وفي الأرض آيات لا تحصى ظاهرة في جبالها وسهولها وأنهارها ومياهها وبحارها وهوائها وأشجارها وما بث فيها من دابة، وفي نفس الإنسان من الآيات ما لا يمكن رده وجحده بل الأمر كما قيل:

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد (١)

فهذه الدلائل الواضحة الظاهرة هي دالة على الله عز وجل، لمن كان في نفسه شك أو تردد، وإلا فالواقع أن الإقرار بالربوبية عام فطري، كما قال الرسل عليهم السلام {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إبراهيم (١٠) (٢).

لهذا لا حاجة لتكلف الأدلة، لأن الواضح لا يحتاج إلى توضيح، والظاهر لا يحتاج إلى استظهار وكما قيل:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل (٣)

وتكلف الأدلة في ذلك كما هو شأن الفلاسفة ومن سلك منهجهم من المتكلمين وغيرهم إنما يمكن أن يصح في الاستدلال على القضايا الخفية، أما الأمور الظاهرة الواضحة المتفق عليها لا يحتاج إثباتها إلى تكلف دليل أو برهان.

ولا شك أن من رحمة الله عز وجل ولطفه بعباده أن جعل أدلة وبراهين ربوبيته فطرية ظاهرة، يؤمن بها ويدركها أقل الناس حظاً من العلم والنظر، بل إن الأدلة لوضوحها وظهورها تضطر الإنسان اضطراراً إلى الإيمان بخالقها وموجدها رباً وخالقاً.


(١) اختلف في نسبته، فنسبه الصفدي إلى أبي فراس. انظر: الوفيات (٧/ ١٣٨)، وأما أبو الفرج فقد نسبه إلى أبي العتاهية انظر: الأغاني (٤/ ٣٥).
(٢) انظر: التوحيد لابن منده (١/ ٩٧ - ٣٠٥)، الحجة في بيان المحجة (١/ ٣٧٦ - ٣٨٧).
(٣) انظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (٤/ ١٢٢١).

<<  <   >  >>