للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجدنَا كثرتهم ذَهَبُوا مذهبا، وقليلاً مِنْهُم ذهب مذهبا آخر قُلْنَا عَن مَذْهَب الْكَثْرَة: إِنَّه مَذْهَب الْجُمْهُور، أَي جُمْهُور الْعلمَاء الَّذين يسْتَحقُّونَ أَن يوصفوا بِالْعلمِ، أما مُجَرّد الْكَثْرَة فتسميتهم بالجمهور فِيهِ شئ من المغالطة والتغرير بِالنَّاسِ، أَرَأَيْت فِي زمن الإِمَام أَحْمد لما تبنى الْمَأْمُون فكرة القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَسقط فِي تِلْكَ الْفِتْنَة آلَاف الْعلمَاء بَين مقتنع ومداهن، ووقف بالمقابل عدد قَلِيل من الْعلمَاء قد لَا يبلغ عَددهمْ أَصَابِع الْيَد على رَأْسهمْ إِمَام أهل السّنة أَحْمد بن حَنْبَل، أَيجوزُ أَن يُقَال عَن مَذْهَب الْمَأْمُون وشلته مَذْهَب الْجُمْهُور، وَمذهب هَؤُلَاءِ الْقلَّة مَذْهَب شَاذ يُخَالف لجمهور الْمُسلمين؟..

وواقع الْأَمر فِي مَسْأَلَتنَا هَذِه هُوَ أَنه عبر بِكَلِمَة (الْجُمْهُور) عَمَّن هبّ ودب من عَالم مُبْتَدع وجاهل متعلم، وَصَارَ مَذْهَب فطاحل الْعلمَاء وأئمة الْهدى - أَمْثَال شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية - مذهبا شاذا مُخَالفا لِلْجُمْهُورِ.

وَصدق من قَالَ: "لَا تفتر بِالْبَاطِلِ لِكَثْرَة الهالكين وَلَا تزهد بِالْحَقِّ لقلَّة السالكين".

(ابْن تَيْمِية فِي زَمَنه هُوَ الْجُمْهُور حَتَّى وَلَو كَانَ وَحده خَاصَّة فِي مَوْضُوعَات العقيدة) ..

ونقول لفضيلة الشَّيْخ: نَحن نعتقد أَن ابْن تَيْمِية وَمن وَافقه فِي زَمَنه هُوَ الْجُمْهُور، خُصُوصا فِي أُمُور العقيدة؛ لالتزامهم بِالسنةِ الصَّحِيحَة مهما كلفهم الْأَمر، وَمن خَالفه فَهُوَ صَاحب الْمَذْهَب الشاذ وَحَتَّى وَلَو وَافقه أَكثر النَّاس؛ لِأَن الْحق بالبرهان وَالدَّلِيل لَا بكرَة الآخذين بِهِ وَقلة المتنكرين لَهُ.

وبرهانا على مَا قُلْنَا بِالنِّسْبَةِ لِابْنِ تيميه أَن من قَرَأَ كتبه وتتبع فَتَاوَاهُ وبحوثه ورسائله - وَهُوَ من أهل البصيرة فِي الدّين - يجد أَنه على مَذْهَب السّلف الصَّالح والرعيل الأول من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَمن على شاكلتهم من معاصريهم، فَهُوَ دَائِما يَدْعُو مخالفيه إِلَى الْكتاب وَالسّنة؛ فَيَقُول لَهُم: بيني وَبَيْنكُم كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا أثبتا فَهُوَ الثَّابِت وَمَا بطلا فَهُوَ الْبَاطِل، وَيَقُول لَهُم: إِذا اخْتَلَفْنَا فِي فهم آيَة أَو حَدِيث رَجعْنَا إِلَى فهوم الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة المهديين من بعدهمْ؛ فَنَنْظُر بِمَاذَا فسروا تِلْكَ الْآيَة أَو ذَلِك الحَدِيث؛ فهم أعلم منا وأفْقَهُ للغة وَالشَّرْع.

فَمن كَانَ هَذَا مذْهبه وَهَذِه طَرِيقَته فَهُوَ وَمن وَافقه هم الْجُمْهُور مهما قلوا وَكثر مخالفوهم؛ لِأَن من تبع جُمْهُور السّلف من الْخلف فمذهبه مَذْهَب الْجُمْهُور، وَمن خَالف جُمْهُور السّلف من الْخلف فمذهبه خلاف مَذْهَب الْجُمْهُور، بل مَذْهَب شَاذ لَيْسَ حرياً بِالصَّوَابِ.

وَالْخُلَاصَة:

أَن من كَانَ مَعَ الدَّلِيل فَهُوَ على الصَّوَاب وَلَو كَانَ وَاحِدًا بَين جَمِيع أهل الأَرْض، وَمن قَالَ أَو عمل بِغَيْر دَلِيل فَهُوَ بعيد عَن الصَّوَاب وَلَو أَنهم أهل الأَرْض جَمِيعًا،

<<  <   >  >>