للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِه ثَلَاثَة خطابات من مَجْمُوع عدد كَبِير من الخطابات الموجهة من عُلَمَاء بَغْدَاد إِلَى حُكُومَة الشَّام؛ للدفاع عَن ابْن تَيْمِية ومذهبه فِي مَسْأَلَة شدّ الرّحال، وَالشَّهَادَة مِنْهُم بِأَن مذْهبه فِيهَا هُوَ الْحق المتمشي مَعَ الحَدِيث الصَّحِيح، وَأَنه مَذْهَب جَمَاهِير عُلَمَاء الْأمة وَأَن من خَالفه فَلَا حجَّة مَعَه وَلَا بَيِّنَة لدعواه.

وَأَنا أُحِيل على كتاب (الْعُقُود الدرية فِي مَنَاقِب شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية) لِابْنِ عبد الْهَادِي؛ من أَرَادَ مزيداً من الإطلاع والتأكد بِالنِّسْبَةِ لما لخصت من خطابات هَؤُلَاءِ الْعلمَاء، وبالنسبة لما تركت تجنباَ للإطالة؛ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ معي إِن الْجُمْهُور المزعوم - يَا فَضِيلَة الشَّيْخ - إِنَّمَا يُوجد فِي الخيال فَقَط، أما فِي عَالم الْحَقِيقَة فَلم يُوقف لَهُ على أثر وَلم يعثر لَهُ على خبر، هَذَا الْجُمْهُور الَّذِي يضْرب بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح عرض الْحَائِط أَو يؤوله حسب مزاجه وعاطفته؛ ليشرع للنَّاس مَا لم يَأْذَن بِهِ الله وَلم يكن من هدى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم!.

الْعَلامَة السهواني وَالشَّيْخ دحلان:

وَإِلَى فَضِيلَة الشَّيْخ خَاصَّة وطلبة الْعلم عَامَّة أنقل مَا سطره الْعَلامَة مُحَمَّد بشير السهواني الْهِنْدِيّ فِي كِتَابه (صِيَانة الْإِنْسَان عَن وَسْوَسَة الشَّيْخ دحلان) ، قَالَ رَحمَه الله - وَهُوَ يُنكر أَن يكون ثَبت عَن أحد من السّلف عمل الزِّيَارَة مُطلق حَتَّى وَلَو بِدُونِ شدّ رحال - قَالَ: وَكَذَلِكَ دَعْوَاهُ إِجْمَاع السّلف وَالْخلف على قَوْله - يَعْنِي قَول دحلان - فَإِن أَرَادَ بالسلف الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين تبعوهم بِإِحْسَان فَلَا يخفى أَن دَعْوَى إِجْمَاعهم مجاهرة بِالْكَذِبِ، وَقد ذكرنَا غير مرّة فِيمَا تقدم أَنه لم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة شَيْء فِي هَذَا، إِلَّا عَن عبد الله بن عمر وَحده؛ فَإِنَّهُ ثَبت عَنهُ إتْيَان الْقَبْر للسلام عِنْد الْقدوم من سَفَره، وَلم يَصح هَذَا عَن أحد غَيره وَلم يُوَافقهُ أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ لَا من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَلَا من غَيرهم، وَقد ذكر عبد الرازق فِي مُصَنفه عَن معمر عَن عبيد الله بن عمر أَنه قَالَ: مَا نعلم أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك إِلَّا عبد الله، ثمَّ قَالَ رَحمَه الله: وَكَيف ينْسب مَالك إِلَى مُخَالفَة إِجْمَاع السّلف وَالْخلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهُوَ أعلم أهل زَمَانه بِعَمَل أهل الْمَدِينَة قَدِيما وحديثاً، وَهُوَ يُشَاهد التَّابِعين الَّذين شاهدوا الصَّحَابَة وهم جيرة الْمَسْجِد وأتبع النَّاس للصحابة، ثمَّ يمْنَع النَّاذِر من إتْيَان الْقَبْر، وَيُخَالف إِجْمَاع الْأمة؟ هَذَا لَا يَظُنّهُ إِلَّا جَاهِل كَاذِب على الصَّحَابَة وَأهل الْإِجْمَاع.

ثمَّ قَالَ: وَقد نهى عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين - الَّذِي هُوَ أفضل أهل بَيته وأعلهم فِي وقته - ذَلِك الرجل الَّذِي كَانَ يَجِيء إِلَى فُرْجَة كَانَت عِنْد الْقَبْر فَيدْخل فِيهَا فيدعو، وَاحْتج عَلَيْهِ بِمَا سَمعه من أَبِيه عَن جده عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنْهُم- عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيداً، وَلَا بُيُوتكُمْ قبورا؛ فَإِن تسليمكم يبلغنِي أَيْنَمَا كُنْتُم"، وَكَذَلِكَ ابْن عَمه الْحسن بن الْحسن بن عَليّ شيخ أهل بَيته كره أَن يقْصد الرجل الْقَبْر للسلام عَلَيْهِ وَنَحْوه عِنْد غير دُخُول الْمَسْجِد، وَرَأى أَن ذَلِك من اتِّخَاذه عيداً، وَقَالَ للرجل الَّذِي رَآهُ عِنْد الْقَبْر: مَالِي رَأَيْتُك عِنْد الْقَبْر؟.. فَقَالَ: سلمت على النَّبِي

<<  <   >  >>