للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِذا دخلت الْمَسْجِد فَسلم، ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيداً وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر، لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد، وصلوا عَليّ؛ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم"، ثمَّ قَالَ: مَا أَنْتُم وَمن بالأندلس إِلَّا سَوَاء.

تمّ قَالَ: الْعَلامَة السهسواني - رَحمَه الله -: "كَذَلِك سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، وقاضي الْمَدِينَة فِي عصر التَّابِعين ذكر عَنهُ ابْنه إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ لَا يَأْتِي الْقَبْر قطّ، وَكَانَ يكره إِتْيَانه".

ثمَّ قَالَ - رَحمَه الله-: "أفيظن بهؤلاء السَّادة الْأَعْلَام أَنهم خالفوا الْإِجْمَاع، وَتركُوا تَعْظِيم رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- وتنقصوه؛ لما لم يرَوا مَشْرُوعِيَّة زِيَارَة قَبره، عاملين بِالْحَدِيثِ الثَّابِت عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام؟ "

ثمَّ قَالَ: "فَهَذَا لعمر الله هُوَ الْكَلَام الَّذِي تقشعر مِنْهُ الْجُلُود".

تمّ قَالَ: "وَلَيْسَ مَعَ عباد الْقُبُور من الْإِجْمَاع إِلَى مَا رَأَوْا عَلَيْهِ الْعَوام والطغاة فِي الْأَعْصَار الَّتِي قل بهَا الْعلم وَالدّين، وضعفت فِيهَا السّنَن ... الخ مَا كتبه - رَحمَه الله- من كَلَام صَحِيح وَتَحْقِيق يعجز عَن نقضه من ادّعى سواهُ".

قلت: إِن هَؤُلَاءِ الْعَوام والطغاة فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة - كَمَا أَشَارَ الْعَلامَة مُحَمَّد بشير السهسواني رَحمَه الله - هم الجذور الَّذِي يعنيه من زعم أَن جَوَاز شدّ الرّحال لزيارة الْقَبْر الشريف هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَالَّذِي نَقله فَضِيلَة الشَّيْخ عَطِيَّة مُوَافقا عَلَيْهِ أَو مستدلا بِهِ١.

وَأَقُول مرّة أُخْرَى: أَلَيْسَ مَذْهَب ابْن تَيْمِية أقرب إِلَى مَذْهَب خصومه مِمَّا نقل عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة من التَّابِعين وتابعيهم؟.. الْجَواب بِلَا؛ ذَلِك لِأَن ابْن تَيْمِية لَا يمْنَع زِيَارَة الْقَبْر الشريف مُطلقًا، بل يُصَرح بِأَن زيارته بِدُونِ شدّ رَحل عمل صَالح إِذا لم يصل الْأَمر إِلَى الْمُبَالغَة والغلو، كالإكثار من التَّرَدُّد عَلَيْهِ بِحَيْثُ يصل ذَلِك بالإنسان إِلَى اتِّخَاذه عيداً، أَو يتَجَاوَز ذَلِك إِلَى دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام والإستغاثة بِهِ، وَنَحْو ذَلِك من أُمُور الْعِبَادَة الَّتِي صرفهَا لغير الله كفر وشرك.

أما هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فَكَمَا ترى النَّقْل عَنْهُم يرَوْنَ عدم مَشْرُوعِيَّة هَذِه الزِّيَارَة ونمها لَيست عملا صَالحا


١ يفهم من كَلَام الْكَاتِب وَمن كَلَام السهسواني الَّذِي نقل عَنهُ أَن زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مَشْرُوعَة، وَلم تثبت عَن أحد من السّلف مُطلقًا، وَأَن مُجَرّد إِتْيَانه يعْتَبر اتِّخَاذه عيدا.
وَهَذَا خلاف مَا يدل عَلَيْهِ عُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، أَلا فزروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة"، وَقد خلط الْكَاتِب - عَفا الله عَنهُ - بَين حكم شدّ الرّحال وَبَين حكم زِيَارَة الْقَبْر نَفسه، وَالْفرق وَاضح بَين الْحكمَيْنِ لمن تَأمل؛ لِأَن شدّ الرّحال غير جَائِز لقصد الْقَبْر عِنْد التَّحْقِيق، أما زِيَارَة الْقَبْر بِدُونِ شدّ الرّحال فمشروعة، وَالله أعلم.. "الْمجلة".

<<  <   >  >>