وَاسْتَشَارَ الْخَلِيفَة أَصْحَابه ذَوي الرَّأْي، وقلب الْأَمر على كل وجوهه، فاهتدى إِلَى أَن ضعف الْمُسلمين ناتج إِلَى ضعف القيادة، ذَلِك لِأَن الْأُمَرَاء الَّذين بَعثهمْ الْخَلِيفَة إِلَى الشَّام لَيْسَ فيهم من يصلح فِي نظر الْخَلِيفَة لخوض هَذِه المعركة الرهيبة، فَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح مَعَ قدرته العسكرية الفائقة إِلَّا أَنه رَقِيق الْقلب لَا يقدم على الحسم، وَابْن الْعَاصِ مَعَ دهائه وَحسن حيلته يهاب الْإِقْدَام على عدوه، وَعِكْرِمَة مَعَ إقدامه وحنكته غير أَنه تنقصه دقة التَّقْدِير للمواقف، وَبَقِيَّة القواد لم يشتركوا من قبل فِي مثل هَذِه المعارك الْكَبِيرَة.
وَهُنَاكَ أَمر آخر يَنْبَغِي للخليفة أَن يقدره وَلَا يغفله ذَلِكُم هُوَ تَسَاوِي القواد فِي الْقُدْرَة فَلَيْسَ فيهم من يقرونَ لَهُ بالتفوق أَو العبقرية الَّتِي يتَمَيَّز بهَا عَلَيْهِم حَتَّى يجتمعوا عَلَيْهِ.