، وَهُمُ الْوَفْدُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ، وَصِنْفٌ أُخِذَتِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ مُشَاةً، وَصِنْفٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أُخِذتهِمْ إِلَى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ صُمًّا وَبُكْمًا وَعُمْيًا، وَالنَّاسُ ثَلاثَةٌ: زَاهِدٌ، وَصَابِرٌ، وَرَاغِبٌ، فَأَمَّا الزَّاهِدُ فَقَدْ خَرَجَتِ الأَحْزَانُ وَالأَفْرَاحُ مِنْ صَدْرِهِ عَلَى مَتَاعِ هَذِهِ الْغُرُورِ، فَهَذَا لا يَحْزَنُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَاتَهُ، وَلا يُبَالِي عَلَى يُسْرٍ أَصْبَحَ أَمْ عَلَى عُسْرٍ، وَلا يَفْرَحُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا أَتَاهُ، فَهَذَا الْمُبَرَّدُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَمَّا الصَّابِرُ فَهُوَ رَجُلٌ يَشْتَهِي الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَيَتَمَنَّاهَا لِنَفْسِهِ، وَإِذَا ظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، أَلْجَمَ نَفْسَهُ مِنْهَا كَرَاهِيَةَ شَنَآنِهَا، وَسُوءَ عَاقِبَتِهَا، فَلَوْ تَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ تَعْجَبُ مِنْ نَزَاهَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ، وَأَمَّا الرَّاغِبُ، فَإِنَّهُ لا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ جَاءَتْهُ الدُّنْيَا مِنْ مُحَرَّمِهَا، لا يُبَالِي مَا دَنَّسَ مِنْهَا عِرْضَهُ، أَوْ ذَهَابُ مُرُوءَتِهِ، أَوْ خُرُوجُ دِينِهِ، أَوْ وَضْعٍ حَسَبُهُ، فَهُمْ فِي غِرَّةٍ يَضْطَرِبُونَ، وَهُمْ أَنْتَنُ مِنْ أَنْ يُذْكَرُوا، لا يَصْلُحُ إِلا أَنْ تسُكِّرَ بِهِمُ الأَسْوَدُ، وَأَمَّا الْعَبِيدُ فَثَلاثَةٌ: فَعَبْدٌ طَمِعٌ يَتَعَبَّدُ لأَهْلِ الدُّنْيَا، يَطَأُ أَعْقَابَهُمْ، يَحْلِفُ بِجَياتِهِمْ، يَلْتَمِسُ فَضْلَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَيُصِيبَ شَيْئًا مِنْ دُنْيَاهُمُ، اسْتَوْجَبَ الذُّلَّ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابَ فِي الآخِرَةِ، وَعَبْدٌ أَذْنَبَ ذَنْبًا لا يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِ فِيهِ فِيمَا أَعْطَى خَطَرَهُ، وَعَبْدُ رَقٍّ يَنْتَظِرُ الْفَرَجَ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَثَلاثَةُ أَيَّامٍ: مَضَى أَمْسِ بِمَا فِيهِ فَلا تَرْجُوهُ، وَصَارَ الْيَوْمُ فِي يَدَيْكَ يَنْبَغِي أَنْ تَغْتَنِمَهُ، وَغَدًا لا تَدْرِي مِنْ أَهْلِهِ يَكُونُ أَمْ لا؟ فَأَمَّا أَمْسِ الْمَاضِي فَحَكِيمٌ مُؤَدِّبٌ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الْقَادِمُ عَلَيْهِ فَصَدِيقٌ مُوَدِّعٌ، وَأَمَّا غَدًا فَلَيْسَ فِي يَدِكَ مِنْهُ إِلا أَمَلُهُ، فَإِنْ كَانَ أَمْسِ الْمَاضِي فَعَجِّلْ بِنَفْسِكَ، فَقَدْ أَبْقَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute