الْإِسْلَام والعروبة كَانَت الْعرُوبَة جسما بِلَا روح, وَكَانَ الْإِسْلَام روحا بِلَا جَسَد, وَهَذَا تاريخنا الْعَرَبِيّ من بدايته إِلَى الْيَوْم لَا نرَاهُ ازدهر وانتعش, وَكَانَ مظهر الْعِزّ وَالْقُوَّة إِلَّا فِي الأدوار الَّتِي كَانَ الْإِسْلَام يزدهر فِيهَا وينتعش وَيَأْخُذ نصِيبه من الْعِزّ وَالْقُوَّة ويكذب من يظنّ أَن الْعَرَب تنمو عزتهم بِروح أَجْنَبِيَّة غير روح الْإِسْلَام". (مُقَدّمَة مجد الْإِسْلَام) .
وَيَقُول رَحمَه الله فِي تَعْلِيقه على ديوَان مجد الْإِسْلَام: "وستتمتع بِهِ نفوس محبي الْأَدَب الرفيع وَالنّظم البليغ أزماناً وأزماناً إِلَى أَن يُوجد الشَّاعِر الَّذِي يكتشف سر الله فِي اخْتِيَاره الْعَرَبيَّة لُغَة لتنزيله, والعروبة بيئة لأكمل رسله, وَأَهْلهَا أصحابا وأعوانا على حمل رسَالَته إِلَى آفَاق آسيا وأفريقية ثمَّ إِلَى أوروبا".
وَفِي حَدِيثه عَن شَيْخه طَاهِر الجزائري رَحمَه الله يَقُول: "من هَذَا الشَّيْخ الْحَكِيم عرفت عروبتي وَإِسْلَامِيٌّ, مِنْهُ عرفت أَن الْمَعْدن الصدئ الْآن الَّذِي برأَ الله مِنْهُ فِي الدَّهْر الأول أصُول الْعرُوبَة ثمَّ تخيرها ظِئْرًا لِلْإِسْلَامِ إِنَّمَا هُوَ مَعْدن كريم لم يبرأ الله أمة فِي الأَرْض تدانيه فِي أصالته وسلامته وصلابته وعظيم استعداده للحق.
وَإِلَى هَذَا كَانَ يَدْعُو رَحمَه الله إِلَى الْأَخْذ بِأَسْبَاب الْقُوَّة وَبِكُل نَافِع من نتاج الحضارة الحديثة مَعَ الْمُحَافظَة على الْمثل والقيم والأخلاق الْقَدِيمَة لِأَن الْخَيْر كُله قديم, وَكَانَ يركز على إصْلَاح الْمدَارِس ومناهج التَّعْلِيم ووسائل الْإِعْلَام.
هَذِه قبسات من أفكار محب الدّين رَحمَه الله ولمحات من حَيَاته حاولت فِيهَا قدر الْإِمْكَان أَن أقدم خُلَاصَة عَن الناحيتين اللَّتَيْنِ قصدتهما. وَقبل أَن أختم كلمتي هَذِه أتوجه بِهَذَا النداء الْحَار إِلَى كل من قصي بن محب الدّين الْخَطِيب نجل المرحوم, وفضيلة نَائِب رَئِيس الجامعة الإسلامية الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن باز, والوجيه الْفَاضِل السَّيِّد مُحَمَّد نصيف صديقي المرحوم الكريمين أَن يبذلوا كل مَا فِي وسعهم لجمع المقالات المشتتة الَّتِي كتبهَا المرحوم فِي مُخْتَلف الصُّحُف وخاصة فِي الزهراء وَالْفَتْح والأزهر ونشرها للْعَالم الإسلامي حصيلة فكرية رائعة وثروة ثقافية كبرى تعْتَبر من عُيُون مَا أنتجه الْفِكر الإسلامي الحَدِيث, وَكَذَلِكَ طبع مذكراته إِن وجدت.
ونصيحتي للشباب الْمُسلم أَن يقْرَأ كل كتاب أَو رِسَالَة أَو تَعْلِيق كتبه محب الدّين رَحمَه الله.
وأخيرا وَبعد جِهَاد مضن كريم اسْتمرّ قرَابَة قرن كَامِل أعْطى خلاله محب الدّين رَحمَه الله لِلْإِسْلَامِ نور عَيْنَيْهِ وحياة قلبه وَثَمَرَة قلمه وفكره وأسهر ليله وأعمل نَهَاره, بعد كل هَذَا فقد سكن ذَلِك الْقلب الْكَبِير الَّذِي كَانَ يخْفق بحب الْإِسْلَام وخبا نور تينك الْعَينَيْنِ, وهدأت تِلْكَ الْيَد المرتعشة الَّتِي حملت الْقَلَم للدفاع عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين دهرا طَويلا وَسقط ذَلِك اليراع وتحطم، لقد مَاتَ محب الدّين.