الْإِسْلَام بالعروبة على النَّحْو الَّذِي يُحَقّق فلسفة الْيَقَظَة وَبِنَاء النهضة كَمَا يفعل السَّيِّد محب الدّين الْخَطِيب مُنْذُ سنوات طَوِيلَة فَهُوَ مُؤمن بامتزاجهما واستحالة انفصامهما وَهَذِه عِبَارَته:"إِن الْعرُوبَة ظئر الْإِسْلَام وإِن الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام كِلَاهُمَا من كنوز الإنسانية وينابيع سعادتها، إِذا عرف أَهلهَا قيمتهَا وَإِذا أتيحت لَهما أَسبَاب الظُّهُور للنَّاس على حقيقتهما. وَإِذا ذلت الْعَرَب ذل الْإِسْلَام". وَيَقُول:"إننا عرب قبل أَن نَكُون مُسلمين, وَهَذَا حق, وَلَكِن لم نَكُنْ شَيْئا قبل الْإِسْلَام".
كَانَ المرحوم قوي الْإِيمَان بخصائص الْأمة الْعَرَبيَّة وأصالتها واستعدادها للخير وجدارتها بِحمْل رِسَالَة الله وبطيب عنصرها ونقاء جوهرها، وصفاء فطرتها. وَلَقَد أدْرك محب الدّين رَحمَه الله انهيار الْخلَافَة الإسلامية وَزَوَال الدولة العثمانية, وعاش فِي مرحلة من أحرج مراحل التَّارِيخ الإسلامي الحَدِيث وَهِي مرحلة خضوع الْعَالم الإسلامي الضَّعِيف للغزو الصليبي الْقوي وَحضر احتضار (الرجل الْمَرِيض) كَمَا كَانَ يُسَمِّي الْأَعْدَاء الدولة العثمانية فِي أخريات أَيَّامهَا وَشهد النقلَة الخطيرة فِي حَيَاة الْمُسلمين فِي تاريخهم الحَدِيث من معالم الْحَيَاة الإسلامية وتقاليدها الأصيلة إِلَى الطّراز الْجَدِيد من الْحَيَاة الْقَائِمَة على أساس الحضارة الغربية الغازية والقائمة على الْإِلْحَاد والإباحية مَعَ الانسلاخ التَّام من كل الْقيم والمثل والأخلاق وَشهد إفلاس العنصر التركي وعجزه عَن الْمُضِيّ فِي تحمل أعباء الرسَالَة الإسلامية، وَشهد دعاة القومية الطورانية من ملاحدة التّرْك يتسلقون إِلَى مراكز السلطة فِي الدولة العثمانية وَينْهَوْنَ الْخلَافَة ويحاولون فرض القومية التركية على الشعوب الْأُخْرَى الخاضعة للدولة العثمانية فِي حَرَكَة عنصرية تحاول إذابة تِلْكَ الشعوب فِي العنصر الْحَاكِم دون أَيَّة مميزات أَو مؤهلات للقومية المتحكمة سوى الْقَهْر وَالْغَلَبَة وخاصة بعد تنكرهَا لِلْإِسْلَامِ. فِي هَذَا الجو افْتقدَ محب الدّين رَحمَه الله الْأمة الْعَرَبيَّة والدور الَّذِي يُمكن أَن تلعبه وقدراتها وخصائصها الَّتِي ترشحها للْقِيَام بذلك الدّور. لذَلِك تغنى بالأمة الْعَرَبيَّة وباستعداداتها وَلكنه لم يفهم من الْعَرَبيَّة يَوْمًا مَا شَيْئا غير الْإِسْلَام، وَكَانَ ينَال من الْكتاب الْمُسلمين الَّذين يفرقون بَين الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام ويعتبرهم من جملَة من ساهم فِي نجاح الْحَرَكَة القومية الْبَعِيدَة عَن الدّين. وَلم يكن يَوْمًا مَا قوميا عَرَبيا، وَكَانَ يغْضب إِذا وضع فِي صف القوميين الْعَرَب الَّذين ساهموا فِي الْقَضَاء على الْخلَافَة الإسلامية, وَإِنَّمَا كَانَ يدعوا كَمَا قَالَ:"إِلَى الحكم الذاتي الَّذِي يبرز خَصَائِص الْأمة الْعَرَبيَّة فِي ظلّ الْإِسْلَام والخلافة".
لقد كَانَ رَحمَه الله يُؤمن بالسر الْعَظِيم الكامن وَرَاء اخْتِيَار الله تَعَالَى للعربية لُغَة لكتابه وللأمة الْعَرَبيَّة حاملة لأكمل رسالاته، يَقُول رَحمَه الله: "وأمجاد الْعرُوبَة لَا يَنْفَكّ تاريخها من تَارِيخ الْإِسْلَام بِحَال فَإِذا حيل بَين