زار شوقي وَفد فِي منزله لتجديد الحَدِيث مَعَه فَبَقيَ عِنْد موقفه من الصمت والابتسام ثمَّ ظهر بعد ذَلِك كتيبه عَن دوَل الْإِسْلَام وَعُظَمَاء التَّارِيخ, وَلَعَلَّه كَانَ من أثر ذَلِك الاقتراح.. وَلَكِن الْمَطْلُوب (كَمَا يَقُول رَحمَه الله) كَانَ أعظم من ذَلِك وقديما قيل: (اذا عظم الْمَطْلُوب قلّ المساعد) , ثمَّ اتَّصل الْأُسْتَاذ المرحوم بالشاعر الْكَبِير أَحْمد محرم وقويت بَينهمَا الصِّلَة والمحبة فاقترح عَلَيْهِ مَا اقترح على شوقي من تسجيل أمجاد الْإِسْلَام فِي ديوَان من الشّعْر الرائع وَقَالَ لَهُ: "لَعَلَّ الله قد ادّخر لَك هَذِه المهمة واختارك لَهَا لِأَنَّك أقرب شعرائنا إِلَى إخلاص القَوْل وَالْعَمَل وَأَكْثَرهم توخيا لمرضاته", فَاسْتَجَاب أَحْمد محرم رَحمَه الله لهَذِهِ الدعْوَة, وَكَانَ من ذَلِك ديوَان مجد الْإِسْلَام أَو الإلياذة الإسلامية الَّتِي نظمها أَحْمد محرم رَحمَه الله وَهُوَ ديوَان كَبِير يَقع فِي ٤٥٠ صفحة نظم فِيهِ الشَّاعِر أهم أَحْدَاث السِّيرَة النَّبَوِيَّة والغزوات والوفود، وَيَقُول محب الدّين رَحمَه الله فِي وصف هَذَا الدِّيوَان فِي مقدمتة: "إِن أمجاد الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام أعظم من أَن يُحِيط بهَا شَاعِر ولاسيما وأكثرنا لايزالون متأثرين بِمَا شوهت الشعوبية من تاريخنا وَمَعَ ذَلِك كَانَ دُيُون مجد الْإِسْلَام أعظم مَا ظهر للنَّاس حَتَّى الْآن مجموعا فِي كتاب وَاحِد من ومضات هَذِه الأمجاد وستتمتع بِهِ نفوس محبي الْأَدَب الرفيع وَالنّظم البليغ أزمانا".
وَأَقُول إِن مِمَّا يؤسف لَهُ أَن ديوَان مجد الْإِسْلَام بَقِي طوال ثَلَاثِينَ عَاما مخطوطا ومحبوسا فِي الأدراج, والشاعر الْكَبِير لَا يجد من ينشره بِتَمَامِهِ رغم المحاولات الْكَثِيرَة مَعَ المسؤولين الا مَا كَانَ من نشر محب الدّين نَفسه لفقرات مِنْهُ فِي صَحِيفَته الْفَتْح وَفِي مجلة الْأَزْهَر، إِلَى أَن مَاتَ أَحْمد محرم رَحمَه الله قبل نشره وكادت تضيع أَجزَاء مِنْهُ إِلَى أَن قَامَت مكتبة دَار الْعرُوبَة بنشره قبل حوالي ثَمَان سنوات تَقْرِيبًا. إِن ديوَان مجد الْإِسْلَام من أعظم الْأَعْمَال الأدبية والشعرية فِي تاريخنا وَهُوَ عمل أدبي رفيع وَشعر رائع بليغ, وَمَعَ ذَلِك فَإِنِّي أكاد أَجْزم بِأَن ثَلَاثَة أَربَاع المثقفين فِي الْبِلَاد الْعَرَبيَّة لَا يعْرفُونَ شَيْئا عَن ديوَان مجد الْإِسْلَام وَلَا عَن الشَّاعِر الْكَبِير أَحْمد محرم الَّذِي نظمه وَكَذَلِكَ لَا يعْرفُونَ شَيْئا عَن الدِّيوَان المستقل الَّذِي نظمه أَحْمد محرم لسَائِر شعره. لقد حرصت الْجِهَات المعادية لِلْإِسْلَامِ فِي الأوساط الأدبية والثقافية على إهمال الشُّعَرَاء والأدباء الإسلاميين وَحَارب الأقلام المؤمنة وأعطت مَكَان الصدارة فِيهَا للأدعياء من المارقين والملاحدة وَذَلِكَ حرصا مِنْهَا على تضليل الأجيال الْمسلمَة وتسميم أفكار النشء وتشويهها.
إيمَانه بامتزاج الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام:
يَقُول الْأُسْتَاذ أنور الحندي فِي كِتَابه (أدباء ومفكرون) : "وَلست أعرف كَاتبا كَانَ أوضح رَأيا فِي ربط
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute