الإسلامي وَفِي مصر على الْخُصُوص"، وَيَقُول أَيْضا: "وَكَانَت الجمعية حَدثا كَبِيرا من أَحْدَاث الْحَرَكَة الإسلامية لِأَن دعاة الْإِلْحَاد والتحلل كَانَ قد استفحل أَمرهم وظنوا أَن قيادة الْأمة قد أفلتت من أَيدي ممثلي الْإِسْلَام وانتظمت إِلَى أَيْديهم". وَهَذِه الجمعية وَإِن انحرفت عَن كثير من الغايات الَّتِي وجدت لأَجلهَا فَإِنَّهَا لَا تزَال قَائِمَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَلها مجلتها الناطقة باسمها، وَمن على منبرها وَفِي مواسمها الثقافية قد استمعنا لعدد كَبِير جدا من عُلَمَاء مصر ومفكريها.
وعَلى أثر سوء تفاهم مَعَ القائمين على الْأَزْهَر استقال رَحمَه الله من رئاسة تَحْرِير مجلة الْأَزْهَر، وَكَانَ ذَلِك آخر عمل رسمي لَهُ، ثمَّ انزوى فِي مكتبته ومطبعته وَقطع تَقْرِيبًا كل صلَة لَهُ بذلك الْمُجْتَمع وانكب على التَّأْلِيف وَالتَّحْقِيق, وَحَتَّى الْأَعْمَال التجارية الصرفة كَانَت شبه مَقْطُوعَة مَعَ المكتبات المصرية وَكَانَ جلّ تعامله فِي آخر أمره مَعَ المؤسسات والمكتبات السعودية. وَالْيَوْم الوحيد الَّذِي كَانَ يخرج فِيهِ إِلَى الْمُجْتَمع من جزيرته الهادئة القصية هُوَ يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر حَيْثُ يذهب إِلَى سوق الْكتب المقامة على سور حديقة الأزبكية فِي الْقَاهِرَة وَيَشْتَرِي من الْكتب الْمُخْتَلفَة الْقَدِيمَة والحديثة وَكَانَ يحملهَا بيدَيْهِ الكليلتين وعَلى كَاهِله أعباء الثَّمَانِينَ ويتمايل فِي مشيته ويتعثر حَتَّى يجد سيارة تقله إِلَى بَيته وَقد ثابر على هَذِه الْعَادة الْكَرِيمَة إِلَى مَا قبيل وَفَاته رَحمَه الله, وَقد جمع من ذَلِك مكتبة ضخمة خَاصَّة بِهِ فاقت على مَا أعتقد كل مكتبة خَاصَّة فِي مصر ماعدا مكتبة العقاد، حَيْثُ بلغ تعداد كتبه الْخَاصَّة مَا يزِيد على عشْرين ألف كتاب وَكَانَت فهارسها تبلغ خَمْسَة وَسِتِّينَ مصنفاً. وَكَانَ رَحمَه الله قد جعلهَا قبل وَفَاته وَقفا على أهل الْعلم من ذُريَّته وَقد بنى وَلَده قصي دَارا جَدِيدَة فِي محلّة الدقى فِي الْقَاهِرَة وخصص الطابق الأول مِنْهَا لتِلْك المكتبة، كَمَا قَالَ ذَلِك هُوَ رَحمَه الله.