للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأول دعوة تهتف بها الأديان السماوية في آذان الناس الدعوة إلى وحدانية الله وتحرير العقول والقلوب من الشرك به ورفع البصر اليه خالصا من أوهام الزيغ والضلال، وبهذا تصح انسانية الانسان، ويرد اليه اعتباره، ويصبح اهلا ليكون خليفة الله في ارضه.

ومهما اختلفت طرق الأديان السماوية في أداء الدعوة إلى الله، وفي وسائل الاقناع بوحدانيته، فإنها جميعها تعتمد أول ما تعتمد على إثارة العاطفة وتحريك الوجدان أكثر من اعتمادها على اثارة قوى الإدراك والتفكير، ذلك ان حقيقة الإله الموحد أكبر من أن يحدها الفكر أو يحيط بها الإدراك - وإن كان لهما في آياتها الرائعة مسارح للنظر والتأمل، وفي آفاقها الرحيبة مجالات للبحث والتفكير يفيض بها الوجدان روعة وجلالا، ويمتلئ بها القلب طمأنينة وإيمانا،.

انظر إلى النغم الموسيقي الرائع كم يثير في الاسماع من بهجة ورضا، وكم يحرك في النفس من عواطف وأحاسيس .. انك لو ذهبت تطلبه بفكرك في طبقات الاثير ترد كل ذبذبة فيه إلى ضوابط من الفن وقواعد من العلم لاعيتك مذاهبه لانتهى بك المطاف إلى غير طائل .. ثم انظر إلى البحر في سعته وامتداده .. كم تأخذ صفحته الرقراقة المتموجة من نفسك وكم تبلغ عظمته وروعته من قلبك حين تملأ عينيك منه وتردد النظر فيه، ثم انظر كيف بك إذا ألقيت بنفسك في عبابه ورميت بها في ثبجة .. من أنت؟ وما تكون؟

فكيف بهذا الخالق العظيم نرمي بعقولنا القاصرة وأفكارنا

<<  <   >  >>