قول الله - جل وعلا - مخبرا عن قولهم في أول سورة (ص) : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}[ص: ٥][ص: ٥] استنكروا قول: (لا إله إلا الله) . وهذا هو الذي حصل مع أبي طالب لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» . فلو كانت كلمة مجردة من المعنى عندهم، أو يمكن أن يقولها المرء دون اعتقاد ما فيها، ورضى بما فيها ويقين وانتفاء الريب: لقالها، ولكن ليس هذا هو المقصود من قول (لا إله إلا الله) ، بل المقصود هو قولها مع تمام اليقين بها، وانتفاء الريب، والعلم، والمحبة، إلى آخر الشروط المعروفة.
وقوله في الحديث: فقالا له: " أترغب عن ملة عبد المطلب ": هذا فيه - والعياذ بالله - ضرر جليس السوء على المجالس له.
وقوله: «فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لأستغفرن لك، ما لم أنه عنك» : وهذا موطن الشاهد من هذا الحديث. ومناسبة هذا الحديث، لهذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لأستغفرن لك» واللام في قوله: " لأستغفرن " هي التي تقع في جواب القسم؛ فثم قسم مقدر، تقديره: والله لأستغفرن لك. فالاستغفار حصل من النبي صلى الله عليه وسلم لعمه، ولكن: هل نفع استغفار النبي صلى الله عليه وسلم له؟ ؟ لم ينفعه ذلك.
وطلب الشفاعة والاستشفاع هو: من جنس طلب المغفرة، فالاستغفار طلب المغفرة، والشفاعة قد يكون منها طلب المغفرة، ولكن لم يقبل الله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعته لعمه؛ لأن المطلوب له كان مشركا، والاستغفار والشفاعة لا تنفعان أهل الشرك، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك أن ينفع مشركا بالشفاعة