فقوله:{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}[التوبة: ١٢٨] يعني: عزيز عليه عنتكم؛ يعني: أن تكونوا في عنت ومشقة، فهذا عزيز عليه ولا يرغب فيه عليه الصلاة والسلام.
قوله:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}[التوبة: ١٢٨] لأنه عليه الصلاة والسلام عزيز عليه عنت أمته، فهو لهذا يأمرهم بكل خير، وينهاهم عن كل شر، ويحمي حمى ما أمرهم به، وما نهاهم عنه؛ لأن الناس إذا أقدموا على ما نهوا عنه: فإنهم أقدموا على مهلكتهم، وأقدموا على ما فيه عنتهم في الدنيا وفي الأخرى، والنبي - عليه الصلاة والسلام - عزيز عليه عنت أمته أي: أن يقعوا في ما يعود عليهم بالوبال وبالمشقة؛ لهذا قال بعدها:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}[التوبة: ١٢٨] لأن عزة مشقتهم عليه، وحرصه عليهم متلازمان، فمن حرصه علينا عليه الصلاة والسلام، ومن كونه يعز عليه عنتنا، أن حمى حمى التوحيد، وحمى جناب التوحيد، وسد كل طريق قد نصل بها إلى الشرك، عليه الصلاة والسلام، وهذا وجه الاستدلال من الآية على الباب.
وأما حديث أبي هريرة فوجه الشاهد منه قوله:«ولا تجعلوا قبري عيدا» ، والعيد يكون عيدا مكانيا كما جاء هنا، ويكون عيدا زمانيا، فقوله:«لا تجعلوا قبري عيدا» يعني: لا تصيروا قبري مكانا تعودون إليه؛ أو: تعتادون المجيء إليه في أوقات معلومة؛ فإن هذا قد يوصل إلى أن يعظم النبي - عليه الصلاة والسلام - كتعظيم الله جل وعلا. فاتخاذ القبور عيدا من وسائل الشرك؛ ولهذا قال:«وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» .