والكاهن- كما ذكرنا- لا يصل إلى حقيقة عمله بأن يخبر عن الأمور المغيبة إلا باستخدام الجن، والتقرب إليهم التقربات الشركية، فتستمتع الجن به من جهة ما صرف لها من العبادة، ويستمتع هو بالجني من جهة ما يخبره به من الأمور المغيبة.
والجن تصل إلى الأمور المغيبة التي تصدق فيها عن طريق استراق السمع، فإن بعضهم يركب بعضا حتى يسمعوا الوحي الذي يوحيه الله- جل وعلا- في السماء، فربما أدرك الشهابُ الجنيَّ قبل أن يلقي الكلمة لمن تحته، وربما أدركه بعد أن يلقي الكلمة، فتأتي هذه الكلمة للجن فيعطونها الكهان، فيكذب معها الكاهن، أو تكذب معها الجن مائة كذبة، حتى يعظم شأن الكهان، وحتى تعظم عبادة الإنس للجن.
وقبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- كان استراق السمع كثيرا جدا، وبعد بعثته -عليه الصلاة والسلام- حرست السماء من أن تسترق الجن السمع، لأجل تنزل القرآن والوحي، حتى لا يقع الاشتباه في أصل الوحي والنبوة، وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- رجع الاستراق ولكنه قليل بالنسبة لما كان عليه قبل البعثة، فصارت عندنا أحوال استراق السمع ثلاثة.
١ - قبل البعثة: كثير جدا.
٢ - وبعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-: لم يحصل استراق من الجن، وإن حصل فهو نادر في غير وحي الله- جل وعلا- بكتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم.
٣ - بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-: رجع استراق السمع أيضا، ولكنه ليس بالكثرة التي كانت قبل ذلك؛ لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا، والله- جل وعلا- بين ذلك في القرآن في آيات كثيرة من أن النجوم والشهب