وذلك لأن كتابة (أبا جاد) والنظر في النجوم- يعني للتأثير- نوع من أنواع الكهانة، والكهانة محرمة وكفر بالله- جل وعلا-.
واعلم أن أصناف الكهانة كثيرة جدا وجامعها الذي يجمعها: أنه يستخدم الكاهن وسيلة ظاهرة عنده ليقنع السائل بأنه وصل إليه العلم عن طريق أمور ظاهرة كالنجوم، أو عن طريق الخط، أو عن طريق الطرق، أو عن طريق الفنجان، أو عن طريق الكف، أو عن طريق النظر في الحصى، أو عن طريق الخشب ونحو ذلك، هذه كلها وسائل يغر بها الكاهن من يأتيه، وهي في الحقيقة وسائل لا تحصل ذاك العلم، ولكن العلم جاءه عن طريق الجن وهذه الوسيلة إنما هي وسيلة لخداع الناس، ولكي يظن الظان أنها تؤدي إلى العلم وأن هؤلاء أصحاب علم وفن بهذه الأمور، وفي الواقع هو لا يتحصل على العلم الغيبي عن طريق خط، أو عن طريق فنجان، أو عن طريق النظر في البروج، أو نحو ذلك، وإنما يأتيه العلم عن طريق الجن، وهو يظهر هذه الأشياء حتى يحصل على المقصود كي يصدق الناس أنه لا يستخدم الجن، وأنه ولي من الأولياء، وإلا فكيف يستنتج المغيبات من هذه الأمور الظاهرة؟! ويوجد في بعض البلاد: كغرب أفريقيا وبعض شمالها وفي الشرق من يتعاطى هذه الأشياء، ويزعم أنه من الأولياء، ويقول: إن الملائكة تخبره بكذا، فهو لا يفعل الفعل إلا بإرشاد من الملائكة، فالذي يفعل هذه الأفعال من الأمور السحرية أو الكهانة يعتبر في تلك البلاد من الأولياء؛ ولهذا ترى بعض الشراح يذكر في مقدمة هذه الأبواب أن أولياء الله تعالى لا يتعاطون الشرك، ولا يتعاطون مثل هذه الأمور، فأولياء الله مقيدون بالشرع، وليسوا من أولياء الجن.
" باب ما جاء في النشرة " النشرة متعلقة بالسحر، وأصلها من النشر وهو: قيام المريض صحيحا، وهي: اسم لعلاج المسحور سميت نشرة؛ لأنه ينتشر بها أي يقوم ويرجع إلى حالته المعتادة.
وقول المؤلف -رحمه الله- هنا " باب ما جاء في النشرة "، يعني: من التفصيل، وهل النشرة جميعا- وهي حل السحر- مذمومة؟ أو أن منها ما هو مذموم، ومنها ما هو مأذون به؟؟ .
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة: وهي أنه كما أن السحر شرك بالله- جل وعلا- يقدح في أصل التوحيد، وأن الساحر مشرك الشرك الأكبر بالله، فالنشرة التي هي حل السحر قد تكون من ساحر، وقد تكون من غير ساحر بالأدوية المأذون بها، أو الأدعية ونحو ذلك، فإذا كان من ساحر فإنها مناقضة لأصل التوحيد، ومنافية لأصله، فالمناسبة ظاهرة في الصلة بين هذا الباب وباب ما جاء في السحر، وكذلك مناسبتها لكتاب التوحيد؛ لأن كثيرين ممن يستعملون النشرة يشركون بالله- جل وعلا-. والنشرة قسمان: نشرة جائزة، ونشرة ممنوعة.
فالنشرة الجائزة: هي ما كانت بالقرآن، أو بالأدعية المعروفة، أو بالأدوية عند الأطباء، ونحو ذلك، فإن السحر يكون عن طريق الجن، - كما تقدم- ويحصل منه- حقيقة- إمراض في البدن، وتغيير في العقل والفهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه تعالج بالمضادات التي تزيل ذلك السحر، فمما يزيله: القرآن الكريم، والقرآن الكريم هو أعظم ما ينفع في إزالة السحر، وكذلك الأدعية، والأوراد، ونحو ذلك، مما هو معروف من الرقى الشرعية.