للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

وذلك لا يجدي على أهله شيئا " (١) المؤاخاة والمحبة في الدنيا هذه تراد للدنيا، والدنيا قصيرة زائلة، وإنما يغتر بها أهل الغرور. وأما أهل المعرفة بالله، والعلم بالله، وأهل كمال توحيده، وأهل كمال الإيمان، وتحقيق التوحيد فإنما تكون محابهم ومشاعرهم القلبية وأنواع العلوم والمعارف التي تكون في القلب وأنواع العبادات والمقامات والأحوال التي تكون في القلب يكون ذلك كله تبعا لأمر الله ونهيه ورغبة في الآخرة، أما الدنيا فلها أهلون، وهي مرتحلة عنهم، وهم مقبلون على أمر آخرتهم؛ ولذلك لن تجدي المحبة في الدنيا على أهلها شيئا، إنما الذي يجدي هو الحب في الله والرغب في الآخرة.

" وقال ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦] قال: المودة " (٢) ؛ لأن المشركين كانوا يشركون بآلهتهم، ويحبونها، ويظنون أنها ستشفع لهم يوم القيامة لأجل مودتهم لها، ومحبتهم لها، وستتقطع تلك الأسباب وتلك الحبال المدعاة الموهومة يوم القيامة، ولن يجدوا نصيرا، كما قال الله -جل جلاله-: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦] يعني: كل ما ظنوه سببا نافعا عند الله فإنه سينقطع يوم القيامة: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: ١٦٦] [البقرة: ١٦٦] .

" باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥] [آل عمران: ١٧٥] : هذا الباب في بيان عبادة الخوف، ومناسبته لكتاب التوحيد ظاهرة. وهي أن خوف العبد من الله - جل وعلا- عبادة من العبادات التي أوجبها الله- جل وعلا-، فالخوف والمحبة والرجاء عبادات قلبية واجبة، وتكميلها تكميل للتوحيد، والنقص فيها نقص لكمال التوحيد.

والخوف من غير الله- جل وعلا- ينقسم إلى ما هو شرك، وإلى ما هو محرم، وإلى ما هو مباح، فهذه ثلاثة أقسام.


(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد (٣٥٣) وأبو نعيم في الحلية ١ / ٣١٢ والطبراني في الكبير (١٣٥٣٧) .
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير (٢٤٢٣) والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٧٢.

<<  <   >  >>