والأمن من مكر الله ناتج عن عدم الخوف، وترك عبادة الخوف، وعبادة الخوف قلبية، والمراد هنا هو خوف العبادة. وهذا الخوف إذا كان في القلب، فإن العبد سيسعى في مراضي الله ويبتعد عن مناهيه، وسيعظم الله - جل وعلا - ويتقرب إليه بالخوف؛ لأن الخوف عبادة، ويكون عبادة من وجوه، منها: أن يتقرب إلى الله - جل وعلا - بالخوف، وأن يتقرب إلى الله - جل وعلا - بعدم الأمن من مكره، وذلك أن الله هو ذو الجبروت، فعدم الأمن من مكر الله راجع إلى عدم فهم صفات الله - جل وعلا - وأسمائه التي منها: القهار، والجبار، وهو الذي يجير ولا يجار عليه، ونحو ذلك من صفات الربوبية.
ومكر الله - جل وعلا - من صفاته التي تطلق مقيدة، فالله - جل وعلا - يمكر بمن مكر بأوليائه وأنبيائه، وبمن مكر بدينه؛ لأنها في الأصل صفة نقص، ولكن تكون صفة كمال إذا كانت بالمقابلة؛ لأنها حينئذ فيها معنى إظهار العزة، والقدرة والقهر والجبروت وسائر صفات الجلال، فمكر الله - جل وعلا - من صفاته التي يتصف بها، على وجه التقييد، فنقول: يمكر بأعداء رسله، يمكر بأعدائه، يمكر بمن مكر به، ونحو ذلك.
وحقيقة مكر الله - جل وعلا - ومعنى هذه الصفة: أنه - جل وعلا - يستدرج العبد ويملي له، حتى إذا أخذه لم يفلته، فييسر له الأمور حتى يظن أنه في غاية المأمن، فيكون ذلك استدراجا في حقه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إذا رأيتم الله يعطي العبد، وهو مقيم على معاصيه، فاعلموا أن ذلك استدراج»(١) وهذا ظاهر من معنى المكر؛ لأن في معنى المكر والكيد وأمثالهما معنى الاستدراج.