للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

إنها لتنفي الذنوب عن العبد كما ينفي الكير خبث الحديد» (١) ففي المصائب نعم على العبد، والله - جل وعلا - له الحكمة البالغة فيما يصلح عبده المؤمن.

" وقال صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (٢) دل قوله: " من رضي فله الرضا " على أن الرضا عبادة؛ لأن رضا الله عن العبد إذا رضي عنه دال على أن ذلك الفعل محبوب له، وذلك دليل أنه من العبادات، وكذلك الجملة الثانية دليل على أن السخط محرم، قال: " ومن سخط فله السخط " يعني: من الله - جل وعلا -.

وحقيقة السخط على الله - جل وعلا -: أن يقوم في قلبه عدم محبة ذلك الشيء، وكراهته، وعدم الرضا به، واتهام الحكمة فيه، فمن قامت به هذه الأشياء مجتمعة فقد سخط، ويظهر أثر السخط على اللسان أو على الجوارح، أو في القلب من جهة عدم الرضا بالأوامر، وعدم الرضا بالنواهي، وعدم الرضا بالشرع، فيتسخط الأمر، ويتسخط النهي، ويتسخط الشرع، فهذا كبيرة من الكبائر، ولو امتثل ذلك فإن تسخطه وعدم الرضا بذلك قلبا دليل على انتفاء كمال التوحيد في قلبه، وقد يصل بالبعض إلى انتفاء التوحيد من أصله إذا لم يرض بأصل الشرع وسخطه بقلبه واتهم الشرع أو اتهم الله - جل وعلا - في حكمه الشرعي

الشرح: هذا " باب ما جاء في الرياء " يعني: من الوعيد، وأنه شرك بالله - جل وعلا -.

والرياء حقيقته من الرؤية البصرية، وذلك بأن يعمل عمل العبادة لكي يرى أنه يعمل العمل الذي هو من العبادة، إما صلاة، أو تلاوة، أو ذكر، أو صدقة، أو حج، أو جهاد، أو امتثال أمر، أو اجتناب نهي، ونحو ذلك، لا لطلب ما عند الله، ولكن لأجل أن يراه الناس على ذلك، فيثنوا عليه به. هذا هو الرياء، وقد يكون الرياء في أصل الإسلام كرياء المنافقين، فالرياء على درجتين:

الدرجة الأولى: رياء المنافقين، بأن يظهر الإسلام ويبطن الكفر لأجل رؤية الخلق، وهذا مناف للتوحيد من أصله وكفر أكبر بالله - جل جلاله -؛ ولهذا وصف الله المنافقين بقوله: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٤٢] [النساء: ١٤٢] . فقوله: {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: ١٤٢] يعني: الرياء الأكبر الذي هو إظهار أصل الإسلام وشعب الإسلام، وإبطان الكفر وشعب الكفر.

والنوع الثاني من الرياء: أن يكون الرجل مسلما أو المرأة مسلمة، ولكن يرائي بعمله أو ببعض عمله، فهذا شرك خفي وذلك الشرك مناف لكمال


(١) أخرجه ابن ماجه (٣٤٦٩) .
(٢) أخرجه الترمذي (٢٣٩٦) .

<<  <   >  >>