للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين، {قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: ١٢٠] لا للملوك، ولا للتجار المترفين، {حَنِيفًا} [النحل: ١٢٠] لا يميل يمينا، ولا شمالا، كحال العلماء المفتونين {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٠] خلافا لمن كثر سوادهم، وزعم أنه من المسلمين. وهو من التفاسير الرائقة البعيدة المعاني {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: ٣٥]

ثم قال بعد ذلك: (وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: ٥٩] [المؤمنون: ٥٩] ) : وهذه الآيات في سورة المؤمنون، وهي في مدح خاصة المؤمنين.

ووجه الاستدلال من الآية على الباب: أن الله قال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: ٥٩] فقوله: {لَا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: ٥٩] نفي للشرك، وقد ذكرنا من قبل أن النفي إذا تسلط على الفعل المضارع، فإنه يفيد عموم المصدر الذي يدل عليه الفعل، فكأنه - جل وعلا - قال: والذين هم بربهم لا يفعلون شركا، أو لا يشركون لا بشرك أكبر، ولا أصغر، ولا خفي.

والذين لا يشرك هو الموحد، فصار عندنا لازم، وهو أن من لم يشرك بالله أيَّ نوع من الشرك، فإنه ما ترك الشرك إلا لتوحيده، قال العلماء: قدم هنا قوله: {بِرَبِّهِمْ} [المؤمنون: ٥٩] في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: ٥٩] لأن الربوبية تستلزم العبودية، فصار عدم الإشراك في الربوبية معناه عدم الإشراك في الطاعة، وعدم الإشراك في العبودية وهذا وصف الذين حققوا التوحيد؛ لأنه

<<  <   >  >>