للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

قلوبهم بها جدا أكثر من تعلقهم بالطب ونحوه، فالعرب في الجاهلية - وهكذا هو حال أكثر الناس - لهم تعلق بالرقية، فالقلب يتعلق بالراقي، ويتعلق بالرقية؛ وهذا ينافي كمال التوكل على الله - جل جلاله - وأما ما جاء في بعض الروايات أنهم «الذين لا يرقون» فهذا غلط؛ وهو لفظ شاذ، لأن الراقي محسن إلى غيره، والصواب ما جاء في هذه الرواية من أنهم «الذين لا يسترقون» يعني: الذين لا يطلبون الرقية؛ وذلك لأن طالب الرقية يكون في قلبه ميل إلى هذا الذي رقاه وإلى الرقية، ونوع توكل، أو نوع استرواح لهذا الذي يرقي أو للرقية.

ثم قال: «ولا يكتوون» : والكي مكروه في أصله؛ لأن فيه تعذيبا بالنار، مع أنه مأذون به شرعا، لكن فيه كراهة. والعرب تعتقد أن الكي يحدث المقصود دائما؛ فلهذا تتعلق قلوبهم بالكي. فصار تعلق القلب بهذا الكي من جهة أنه سبب يؤثر دائما، ومعلوم أن الكي يؤثر - بإذن الله جل وعلا -: إذا اجتمعت الأسباب، وانتفت الموانع. فالنفي لأجل أن في الكي بخصوصه ما يتعلق الناس به من أجله.

ثم قال: «ولا يتطيرون» : والطيرة شيء يعرض على القلب من جراء شيء يحدث أمامه؛ فيجعله يقدم على أمر، أو يحجم عنه، وهذه صفة من لم يكن التوكل في قلبه عظيما.

ثم قال بعدها: «وعلى ربهم يتوكلون» : وهي جامعة للصفات السابقة. وهذه الصفات ليس المقصود منها أن الذين حققوا التوحيد لا يباشرون الأسباب، كما فهمه بعضهم، وأن الكمال ألا يباشر سببا البتة، أو ألا يتداوى

<<  <   >  >>