تأتي بشيء، وإنما الذي يفعل هو الله - جل وعلا - في هذه الأزمنة؛ ولهذا كان سب هذه السنين سبا لمن تصرف فيها، وهو الله جل جلاله -؛ لهذا عقد المؤلف هذا الباب ليبين أن سب الدهر ينافي كمال التوحيد، وأن سب الدهر يعود على الله - جل وعلا - بالإيذاء؛ لأنه سب لمن تصرف في هذا الدهر.
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة: وهو أن سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز، والتخلص منها واجب واستعمالها مناف لكمال التوحيد، وهذا يحصل من الجهلة كثيرا، فإنهم إذا حصل لهم في زمان شيء لا يسرهم سبوا ذلك الزمان، ولعنوا ذلك اليوم، أو لعنوا تلك السنة، أو لعنوا ذلك الشهر، ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة، أو شتموا الزمان، وهذا لا شك لا يتوجه إلى الزمن؛ لأن الزمن شيء لا يفعل وإنما يفعل فيه، وهو أذية لله - جل وعلا -.
قوله:" باب من سب الدهر ": السب في أصله: التنقص، أو الشتم، فيكون بتنقص الدهر، أو يكون بلعنه، أو بشتمه، أو بنسبة النقائص إليه، أو بنسبة الشر إليه، ونحو ذلك، وهذا كله من أنواع سبه. والله - جل وعلا - هو الذي يقلب الليل والنهار.
قوله:" فقد آذى الله ": كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» ففيه رعاية للفظ الحديث.
وسب الدهر - كما ذكرنا - محرم، وهو درجات وأعلاها لعن الدهر؛ لأن توجه اللعن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة وأشد أنواع الإيذاء، وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر