معرفة الصحيح والحسن، غير أنه اكتفى بذكر التصحيح والتحسين فقط، ولا جرم أن الدعوى تعذر الاستقلال بإدراكهما لأمر طارئ شيء آخر، فلا ينبغي التخليط بينهما. ومن هنا فإننا نجد ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ يربط دعواه بأمرين بارزين، أحدهما: أن تكون الأحاديث مروية لدى المتأخرين بأسانيدهم الخاصة، كما عبر عنه بقوله: إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها، والثاني: أن يكون التصحيح أو التحسين مبنيا على أساس الاعتبار بأسانيدهم الخاصة، دون الرجوع إلى كتب المتقدمين، والاعتماد على ما روى المتقدمون فيها بأسانيدهم، كما عبر عنه بقوله: فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد.
وهذا يجعل رأي الإمام ابن الصلاح غير معارض بعمل معاصريه واللاحقين بخلافه من تصحيح وتحسين وتضعيف، حيث إن عملهم لم يكن إلا بمقتضى نظرهم في روايات المتقدمين الثابتة في الكتب المعتمدة، دون أدنى اعتبار لأسانيدهم التي تنقل بها تلك الكتب، وهذا أمر لم يتعرض له الإمام ابن الصلاح في كلامه، كما سبق توضيحه، وإلا فذكر القيود وربط كلامه بها يصبح لغوا مخلا. والله أعلى وأعلم.